واشنطن تهدي لطهران وبكين القضية الفلسطينية

الحسين المجدوبي

لماذا توجه وفد وزاري عربي-إسلامي إلى بكين الاثنين من الأسبوع الماضي أولا وليس إلى واشنطن لبحث القضية الفلسطينية؟ ولماذا ينظر العالم الإسلامي إلى إيران لدعم القضية الفلسطينية وليس الدول العربية التي تدور في فلك البيت الأبيض؟ سؤالان مطروحان في النقاش السياسي حول مستقبل الشرق الأوسط ومستقبل القضية الفلسطينية التي تسبب من جديد في شرخ جديد بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي-اليهودي.

وهكذا، يجري الحديث عن ريادة الصين للعالم ابتداء من نهاية العقد المقبل، وهو حديث غير ناتج عن متمنيات خيالية بل قائم على معطيات واقعية ملموسة على رأسها التقدم التكنولوجي في شتى المجالات ومنها العسكري ثم القوة الاقتصادية الهائلة، وأخيرا، بدء تحول بكين إلى قبلة لحل النزاعات الدولية. وتكون نقطة انطلاقة الريادة السياسية بحل نزاعات تهدد مستقبل منطقة مثل حساسة أو قضايا دولية. وناشد الغرب بكين المساهمة في حل النزاع الروسي-الأوكراني عند بداية الحرب. وكانت بكين قد أبانت عن مهنية دبلوماسية كبيرة في إدارة الحوار الجيوسياسي من خلال نجاحها في إقناع كل من إيران والسعودية التوقيع على اتفاقية سلام وحوار خلال مارس/آذار الماضي، وجعل عدد من الأمم تغير بوصلتها نحو العملاق الآسيوي بدل الاستمرار في الرهان على واشنطن. وقتها، كتب صاحب هذا المقال في هذا الركن مقالا بتاريخ بعنوان بتاريخ 17 أبريل 2017. “هل يمكن لبكين حل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي؟

وهكذا، وعكس الغرب المتورط في تأييد جرائم الكيان، أعربت بكين على موقف مشرف من حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، فمن جهة، طالبت بوقف الحرب، ومن جهة أخرى رفضت تصنيف حماس بالحركة الإرهابية. ويكفي أنه بعد لقاء الوفد الوزاري العربي-الإسلامي، قال وزير الخارجية الصيني وانج جيي “الصين صديق مخلص وشقيق للدول العربية والإسلامية وتدعم دائما وبقوة القضية العادلة للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه ومصالحه الوطنية المشروعة”. لن يجد الوفد مثل هذا التصريح في جولتهم سوى في بكين وموسكو، وستكون تصريحات مختلفة في انتظارهم خلال زيارة باريس ولندن وواشنطن.

نجاحها في الوساطة بين إيران والسعودية، هو الذي دفع الوفد المكون من وزراء خارجية الدول العربية والإسلامية ليختار بكين كأول محطة للبحث عن وقف حرب تقتيل الفلسطينيين. ولعبت السعودية دورا رئيسيا في اختيار بكين كمحطة أولى لأن الرياض بدأت بتحويل بوصلتها الجيوسياسية نحو الصين (بوصلة السعودية تتجه نحو بكين بدل واشنطن، القدس العربي 3 يوليو 2023 ) شأنها شأ، عدد من الدول العربية.

إن الصين قادمة نحو الشرق الأوسط للمساهمة في حل النزاعات الكبرى، بفضل وساطتها بين إيران والسعودية، تكون قد جنّبت المنطقة حربا دينية بين السنة والشعية، لو كانت قد انفجرت هذه الحرب كانت ستكون وبالا على الأمة الإسلامية. وعليه، إذا تقاعست واشنطن في البحث عن حل للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي بسبب انحيازها الأعمى للأطروحة الصهيونية، وفي المقابل، إذا نجحت بكين في حل هذا الصراع أو لعب الدور الرئيسي في البحث عن الحل، وقتها ستكون واشنطن قد فقدت قيمتها التاريخية وخطابها الأخلاقي في العلاقات الدولية الذي روجت له منذ عقود، ويعني منعطفا حقيقيا في ريادة الصين للعالم سياسيا.

من جهة أخرى، ترتب عن انحياز واشنطن لإسرائيل في البحث عن حل منصف للقضية الفلسطينية، رهان الشعوب ودول وحركات على أي جهة قادرة على بدء لجم إسرائيل عسكريا. وبعيدا عن الاستقطاب الطائفي، واعتمادا على معطيات الميدان، يتم النظر إلى إيران للعب هذا الدور عبر الحركات التي تدور في فلكها. وهكذا، لم تعد إسرائيل تجرأ على شن حرب حقيقية ضد لبنان منذ 2006 بسبب الدعم العسكري الإيراني لهذا الحزب. نعم امتلك حزب الله قوة ردع الكيان عسكريا. في الوقت ذاته، ورغم حرب الإبادة وحرب الجبناء التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، نجح الفلسطينيون بدعم من طهران في إلحاق هزيمة حقيقية بجيش الكيان يوم 7 أكتوبر.

تقاعس واشنطن في حل هذا النزاع، أصبح يدفع الجميع الى الاقتناع بأن السلاح هو صاحب كلمة الفصل في الردع أو تحقيق التوازن أو إلحاق الهزيمة بالآخر. ومنذ بدء تطوير إيران الصواريخ، بدأ الشرق الأوسط يتغير. حزب الله جعل إسرائيل لا تهاجم لبنان منذ 2006 بفضل الصاروخ الإيراني. والآن، نحن أمام مشهد ذو أبعاد مثيرة، بعدما قررت حركات سياسية-مسلحة في اليمن والعراق المشاركة في ضرب إسرائيل.ارتباطا بهذا، إذا كانت إسرائيل تواجه في القرن الماضي جيوشا نظامية وعلى رأسها المصرية، فقد أصبحت الآن تواجه حركات عسكرية يتعاظم دورها وأحيانا أكثر من الدول، وتمتلك تدريجيا أسلحة ستكون قادرة على تغيير المعادلة وبدء فرض واقع جديد في الشرق الأوسط. إن صاروخ اليوم ليس هو صاروخ الغد.

لقد راهنت الدول العربية السنية المعتدلة على واشنطن للحصول على أسلحة ثم المساعدة في حل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي بل العربي-الإسرائيلي. ووقعت هذه الدول على اتفاقيات سلام مع الكيان، وتبين لاحقا عدم جدية البيت الأبيض في هذا الملف بغض النظر عن اللون السياسي للرئيس أكان جمهوريا أو ديمقراطيا.

تكسرت للمرة الثانية أسطورة جيش الكيان الذي لا يقهر يوم 7 أكتوبر، كانت المرة الأولى سنة 2006 على يد حزب الله، غير أن هذا الزلزال الجيوسياسي ألحق كذلك أضرارا بسياسة الولايات المتحدة. إن تقاعس واشنطن في حل النزاع، يعني جعل السلاح هو الفاصل، وهي تقدم بهذا هدية كبرى لإيران التي ستزيد من تسليح الحركات والدول الموالية لها لفرض واقع جديد في ملفات الشرق الأوسط ومنها فلسطين. ويعني كذلك تقديم هدية أخرى للصين إذا نجحت بكين في حل النزاع مستقبلا وسيكون ضمن الملفات التي ستمنحها ريادة العالم.