لهذه الأسباب لا يقنعني الأداء الديبلوماسي لوزيرنا في الخارجية

بقلم :الصحافي مصطفى الفن

كنت وعدت أصدقائي على هذا الحائط بأني سأخصص تدوينة للحديث عن وزيرنا في الخارجية ناصر بوريطة..
وأعترف أني لم أف بهذا الوعد..


والسبب هو هذه التطورات المتسارعة التي عرفها مؤخرا ملف الصحراء المغربية..
وانضافت، إلى هذا الملف، ملفات أخرى ذات صلة ببعض الأنباء التي تتحدث عن “ضغوطات” مفترضة تمارس على بلادنا من طرف لاعبين كبار..


وواهم من يعتقد أن هؤلاء اللاعبين الكبار الذين يحلون ببلادنا الواحد تلو الآخر بمن فيهم اللاعب الإسرائيلي إنما يفكرون في مصالحنا وفي حل لصحرائنا..
لا..
إنهم لا يفكرون إلا في مصالحم لأن “المصلحة” هي “الدين” الجديد لكل هؤلاء الذين يحكمون العالم اليوم..
وطبعا لم يكن ممكنا أن أنتقد وزيرا مغربيا وهو يترافع باسم الوطن دفاعا عن الوطن حتى وإن كان هذا الوزير على رأس منصب هو ربما أكبر منه في بلد عريق اسمه المغرب..


أما الآن فقد اتضحت الصورة بعض الشيء..
وتكاد الصفوف تتمايز..
وعرف المغرب لائحة أصدقائه كما عرف لائحة أعدائه وخصومه أيضا..
بمعنى آخر، من حقنا اليوم أن نتحدث، ببعض الأريحية، عن أعطابنا الداخلية..
وهذا هو الطبيعي في مجتمع حي لا يضيق بآراء مواطنيه عوض أن ندفع في اتجاه تسويق انتصارات ديبلوماسية ربما غير موجودة على الأرض..


طبعا كثيرون تحدثوا عن هذا التطور “الإيجابي” الأخير الذي هم الموقف الإسباني من نزاع الصحراء..
بل هناك من صنف هذا الموقف كما لو أنه انقلاب جذري في السياسة الخارجية الإسبانية..
شخصيا لم يبد لي الأمر كذلك لأن هذا التطور في الموقف الإسباني هو في النهاية “خطوة أخرى” لا غير أو قل إنه تطور في الشكل وليس في المضمون..


لماذا؟
لأن بيدرو سانشيز هو مجرد رئيس عابر على رأس حكومة عابرة، وحتى حلفاؤه في الحكومة متحفظون جدا من هذه “الخطوة” التي قد تعصف بحكومته..

صحيح لا يمكن لنا إلا أن نرحب بكلام بيدرو سانشيز عندما يقول إن مقترح الحكم الذاتي يشكل “الأساس” لحل واقعي وجدي وذي مصداقية..


لكن علينا في الوقت نفسه أن نكون حذرين جدا لأن “الطوباوية” الزائدة طريق غير سالك في العلاقات بين الدول..
كما أن سانشيز نفسه لم يلتزم “رسميا” بأن الدولة الإسبانية ستدافع عن المقترح المغربي في المحافل الدولية المعنية بالنزاع في الصحراء..


وهذا معناه أن ما قيل عن دعم مقترح الحكم الذاتي هو مجرد قول لا تسنده أفعال حقيقية وجدية من طرف الشريك الإسباني..


الفعل “الحقيقي” الوحيد، الذي صدر عن إسبانيا بعد موقفها الأخير من النزاع في الصحراء، هو تلك الزيارة المستفزة التي قام بها سانشيز إلى سبتة المحتلة..


وهذه ثاني زيارة قام بها هذا المسؤول الإسباني في أقل من سنة إلى هذه المدينة المغربية السليبة..
كل هذا وغيره يدفعني إلى القول إن هذه الهالة التي أعطيناها للموقف الإسباني الأخير من قضيتنا الوطنية لن تغير ربما حقيقة تاريخية وجغرافية وهي أن إسبانيا “جار عدو”..


وهذا “الجار العدو” جشع وبأطماع لا سقف لها..
ذلك أن إسبانيا تريد سبتة..
وتريد مليلية..
وتريد الجزر الجعفرية..
وتريد المياه البحرية المغربية..
وتريد السمك المغربي..
بل إن إسبانيا تريد أيضا أن تجعل منا دركيا “عميلا” نحرس حدودها من شبكات المخدرات ..
وتريد منا أن نحميها من مافيات التهجير السري..
وتريد منا أن نحميها من التنظميات والجماعات الإرهابية والمتطرفة..
وتريد منا أن نحارب مكانها كل المخاطر التي تهدد أمنها القومي..
وتريد منا أن نمتثل حرفيا للاتفاقات الموقعة بين البلدين حتى وإن خالفتها هي..
وتريد منا ألا نفكر يوما ما حتى في القيام بإجراء أحادي الجانب فوق أرضنا..
أكثر من هذا، إسبانيا تريد منا، حقيقة، أن نفعل كل هذا وزيادة..
لكن دون أن تقدم هي أي تنازل..
ودون أن تعطي هي أي مقابل..
ودون أن تفتح حتى قنصلية صغيرة أو مكتبا صغيرا بالداخلة أو العيون..
وهذا ما يمكن أن نعاتب على السيد ناصر بوريطة الذي لم يعرف ربما كيف يسير فوق حقل مليء بالألغام في العلاقة مع عدة دول بأوربا وبالاتحاد الأوربي نفسه..


حتى لا أقول إن وزيرنا ربما “غير محيط” بكل الملفات وربما “باع” لنا ما يشبه “السراب” في العلاقة مع العديد من شركائنا التقليديين..


ولا أريد أن أدخل في بعض التفاصيل التي قد تفهم في سياق غير الذي قصدت..

وأكتفي هنا بمثال واحد يخص العودة السريعة أو “المتسرعة” للسفيرة المغربية بنيعيش إلى مدريد حتى قبل أن يزور بلادنا أي مسؤول إسباني..


ورأيي أن هذه العودة “المتسرعة” للسفيرة بنيعيش هي بمثابة “خطأ بروطوكولي” ما كان له أن يحدث..
وكان المطلوب، على الأقل، أن نؤجل كل شيء إلى ما بعد الزيارة المعلنة لوزير الخارجية الأسباني لبلادنا والتي كانت مقررة اليوم..


بل كان المطلوب أيضا أن ننتظر نتائج تلك الزيارة “المنتظرة” ومضامين البلاغ المشترك مع وزيرنا في الخارجية..
وبعد ذلك، فلكل حادث حديث..


لكن سامح الله بعض الأصدقاء لأنهم يقدمون، بحسن نية، وزيرا عاديا وبأداء ديبلوماسي عادي وغير مقنع باعتباره “امعلم” في الديبلوماسية..


وهذه القضية فيها بعض التشويش حتى على آليات اشتغال النسق واشتغال المؤسسات في بلادنا..
لأنه إذا كان بوريطة “امعلم” في الديبلوماسية فماذا سنقول عن رمز الوطن الذي يحظى بكامل التقدير والوقار والاحترام؟


والواقع أن بوريطة هو وزير في حكومة لا أقل ولا أكثر وليس حتى “ديبلوماسيا” بالمعنى الحقيقي لماهية الديبلوماسية..


وفعلا ينبغي الاعتراف بأن هذه الوزارة لم تنتج لنا إلى حد الآن ديبلوماسيين وازنين من أمثال امحمد بوستة أو عبد اللطيف الفيلالي أو محمد بنعيسى..


والحل في نظري هو الدفع في اتجاه تطعيم هذه الوزارة بدبلوماسيين جديرين بحمل هذه الصفة..


لأن وزارة خارجية بلد كالمغرب هي أكبر من يدبر شؤونها اليومية المتشعبة والكثيرة وزير واحد مهما كانت مؤهلاته..
وظني أن خارجيتنا تتسع لأكثر من وزير لإدارة تعقيدات ما هو يومي وما هو فرعي في حقل سيادي محفوظ لجلالة الملك بما له من ثقل روحي وديني ورمزي كان دائما جزءا من الحل..


بكلمة واحدة، ملك البلاد، الذي يدبر ما هو استراتيجي في هذا الحقل السيادي، في حاجة ليس إلى وزير عادي في حكومة عادية..


بل في حاجة إلى ديبلوماسيين حقيقيين لهم دراية ولهم خبرة بالملفات وقادرين على أن يضعوا بين يدي جلالته ال”Menu” كاملا غير منقوص..


وهذا ربما ما نفتقده في وزيرنا في الخارجية..


لأن الرجل لازال ربما لم يمزق بعد جلباب “الموظف” ولازال ربما يفهم العمل الدبلوماسي بمنطق جغرافي صرف..
أي يكفي أن يكون لنا سفير في هذه الدولة أو تلك ثم ستحل المشاكل والأزمات الديبلوماسية مع بلدان الدنيا بشكل تلقائي..


والواقع أن العمل الديبلوماسي أصبح اليوم محكوما باتفاق مكتوب وبسلسلة أهداف معروفة مسبقا ومحددة في الزمان والمكان..


ثم إن الديبلوماسية هي هبة تنزل من السماء وهي مسار طويل وليست منصبا نجبر بها بعض النفوس الغاضبة والخواطر المنكسرة..


وقد وقع هذا حتى أننا اقترحنا أسماء “ديبلوماسية” لا تعرف أي شيء عن الديبلوماسية ولا تعرف حتى أن لنا “قطيعة” ديبلوماسية مع دولة مثل إيران..


وأنا أقول بهذا لأن “البعض” من سفرائنا أصبحوا ربما عبئا ثقيلا على الديبلوماسية المغربية وحتى على مالية الدولة أيضا..

نشرت هذا المقال في أبريل الماضي وأعيد نشره اليوم لكل غاية مفيدة..