حوار مع عمر إسرى.. هذا رأيه في حملة ارحل أخنوش والتطبيع وقضايا أخرى

كشف عمر إسرى المنسق الوطني لمشروع حزب التجمع من أجل التغيير الديمقراطي، عن مواقف عديدة تهم مجموعة من القضايا السياسية بالمغرب، كالأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر منها المملكة، وزواج مال بعض مسؤولي الحكومة مع سلطتهم وكذا رأيه في الحملة الأخيرة المطالبة برحيل عزيز أخنوش، ثم قراءات في التطبيع مع اسرائيل.


وفي الحوار التالي وجهنا أربع أسئلة لعمر إسرى حول القضايا المذكورة وكانت إجابته كالاتي:


1- ما رأيك في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالمغرب منذ تنصيب الحكومة الحالية؟


عمر إسرى: الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية موسومة بالكثير من المشاكل المرتبطة أساسا بأزمة مركبة ذات أبعاد دولية ووطنية، فبعد كورونا بتأثيراتها السلبية على الاقتصاد الوطني و كلفتها الإجتماعية، جاءت حرب أوكرانيا لتعمق هذه الأزمة بشكل أكبر على الصعيد الدولي، والمغرب لا يمكن أن يكون بمعزل عن العالم، بالإضافة إلى الجفاف الذي أثر سلبا على الانتاج الفلاحي الذي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد الوطني.


إذا فالحكومة الحالية في الحقيقة ليست محظوظة، وتحميلها المسؤولية الكاملة عن هذا الوضع ذو الأبعاد الدولية أمر غير موضوعي، وبإمكاننا ممارسة الشعبوية والإتيان على الأخضر واليابس، لكن المنطق والموضوعية يقتضيان قول الحقيقة، وهذا لا يعني أن الحكومة لا يد لها في الأزمة، بل ساهمت فيها من خلال الاختباء وراء التبريرات، و الحكومات وجدت لحل الأزمات وليس لتبريرها، لقد فشلت الحكومة في تدبير الأزمة إلى حد الآن، و في التواصل مع المواطنين استجابة لنبضهم، وعليها مراجعة أوراقها و تصحيح الأمور حماية للقدرة الشرائية للمواطن و للسلم الإجتماعي، فالوضع لم يعد يحتمل تراكم المزيد من الأخطاء، واستقرار الوطن فوق الجميع.

كما أن علينا أن نشير أن هذه الحكومة ليست سوى استمرارا للحكومات النيوليبرالية التي سبقتها، والنيوليبرالية دائما ما تعد المواطنين بسياسات اقتصادية تنتج الثروة التي ستتقاطر فوائدها إلى الطبقات السفلى، وتشترط الصبر و القبول بكلفة اجتماعية و الإذعان لرفع الدولة يدها عن القطاعات الأساسية، لتكون النتيجة في النهاية تقاطر الفوائد إلى أعلى، و إنهاك الطبقتين المتوسطة والفقيرة، إذن الامر يتعلق بسياسة عميقة تحتاج إلى تغيير حقيقي.

2- هل تعتقد أن زواج المال بالسلطة من بين أسباب الاختناق الاقتصادي بالمغرب؟

عمر إسرى: زواج المال والسلطة ربما يكون سببا من الأسباب، لكنه ليس السبب الرئيسي في الحقيقة، الأمر يتعلق بأزمة متراكمة على مدى عقود، و بالسياسات الاقتصادية والإجتماعية التي تم نهجها منذ الاستقلال إلى الآن، وهي سياسات تعمق الفوارق الطبقية والمجالية و تكرس الهشاشة و الخوصصة التي يؤدي المواطن البسيط كلفتها، أما جمع أعضاء في الحكومة بين السياسة والمال فهو يؤدي طبعا للخلط بين المصالح الشخصية والعامة، و هو الأمر الذي يجب العمل على التصدي له.

الاختناق تراكمي ويرتبط بأسباب متعددة، منها ضعف الحكامة أمام استمرار الفساد الذي يستنزف حوالي 6 في المائة من الناتج الداخلي الخام، و فشل التعليم كركيزة لأي تقدم، وانخفاض منسوب الوطنية والمواطنة الذي يؤدي إلى الاستهتار بمصالح الوطن، و الاحتكار الذي يضعف المنافسة التي تساهم بدورها في إنتاج الثروة، وأسباب أخرى متعددة.

3- ما رأيك في حملة ”إرحل أخنوش”؟

عمر إسرى: الحملة في شموليتها هي تعبير حضاري سلمي عن مطالب فئات عريضة اكتوت بنار الأسعار المرتفعة لأسباب داخلية وخارجية، والمواطنين المشاركين فيها يعون تمام الوعي بالظرفية الدولية الصعبة، لكن الذي غذى هذه الحملة هو المضاربات في الأسعار ومراكمة الأرباح من طرف الشركات على حساب المواطن الذي راكم الأزمات منذ بداية جائحة كورونا، إذ لا يعقل أن ترتفع أسعار المحروقات كلما ارتفع سعر البترول على المستوى الدولي، لكنها تقاوم الانخفاض كلما نزل سعر البرميل.


إذا فنحن أمام حملة نظيفة تعبر عن نبض المجتمع، لكن بالنسبة للمطالبة برحيل أخنوش بالضبط، فسواء كنت مع أو ضد، فالأمر لن يحل المشكلة، فقد طالب الكثيرون برحيل بنكيران الذي أصدر قرارات لا شعبية خطيرة لا تقل عن قرارات هذه الحكومة، بل تجاوزها بكثير، فهل تغير الوضع برحيل بنكيران؟


ثم إن السؤال العقلاني الذي يجب أن نطرحه هو ما البديل عن أخنوش، مع أخذ الهوامش التي يتيحها الدستور بعين الإعتبار؟ هل نعوضه برئيس حكومة من داخل نفس الحزب؟ أم يتم تعيين صاحب مقولة “كنعرف لون تقاشرك”، أو ننظم انتخابات سابقة لأوانها تشارك فيها نفس النخب المتحكمة في الأحزاب، فتفرز لنا نفس النتائج ونفس الوجوه؟ إذا كان المغرب مجبرا على الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها فيجب توفير ظروف نجاحها أولا حتى لا نعيد انتاج نفس الأزمات وفرز نفس النخب إلى ما لا نهاية.


والشروط التي يجب توفيرها، سواء في حالة انتخابات سابقة لأوانها أو في وقتها العادي، يجب أن تبدأ بمباشرة إصلاح حقيقي من داخل الأحزاب لحل أزمتها البنيوية وتجديد النخب داخلها، و تقوية الديمقراطية الداخلية ضد الزبونية والمحسوبية، و خلق أحزاب جديدة قادرة على المساهمة في تجديد الفكر والممارسة والسلوك السياسي، وإعطاء قيمة لفلسفة العقد الإجتماعي، و جلب الأطر والخبراء، وتشديد المراقبة لضمان نزاهة الانتخابات، مع حث المقاطعين على المشاركة لقطع الطريق على الوجوه الفاسدة التي تتاجر بالسياسة.

4- ما رأيك في تطبيع العلاقات مع اسرائيل؟ وهل فعلا استفاد المغرب من هذا التطبيع (في الجانب المتعلق بالصحراء)؟


عمر إسرى: تطبيع العلاقات مع إسرائيل أقرأه شخصيا داخل منهجية شمولية تدار بها السياسة الخارجية بحنكة وحكمة ملكيتين متفردتين، مقاربة ترتكز على تغليب المصالح العليا للوطن و تنويع الشراكات، فلا شيء يعلو على الوطن ومصالحه، والسؤال الذي يجب أن نطرحه هو ما الفائدة التي حصدها الفلسطينيون بعدما قاطعنا (نسبيا وفي الواجهة) إسرائيل لسنوات؟ لاشيء، إذا فمن مصلحة الفلسطينيين أنفسهم أن يكون المغرب في وضع يسمح له بالتدخل والضغط لضمان حقوقهم، و الاستمرار في الدفاع عن حل الدولتين و عن استتباب الأمن والسلم في الشرق الأوسط.


وفي إسرائيل هناك مليون يهودي من أصل مغربي، لديهم ارتباط قوي بالوطن و ثوابته، يتحدثون لغاتنا ويعيشون على إيقاع عاداتنا، و يدافعون عن مصالح المغرب في المنظمات الدولية، ولا يمكن للمغرب سوى أن يرحب بمساهمتهم في تنمية الوطن، في حين هناك فلسطينيون يحضرون مؤتمرات عصابة البوليساريو الإجرامية في مخيمات تندوف، و هنا لا أعمم طبعا، لكن الاهم هو أن مصالح المغرب وقضاياه المصيرية فوق الجميع، و المغرب قادر على إقامة التوازن بين هذه العلاقة وبين الدفاع عن الفلسطينيين بما استطاع، مع إعطاء الأولوية لقضايانا أولا وعلى رأسها وحدتنا الترابية.


هل استفاد المغرب أو لم يستفد من التطبيع، طبعا استفاد وسيستفيد، و الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء بعد الاتفاق الثلاثي خير دليل على ذلك، بالإضافة إلى الشراكة الاقتصادية بين الرباط وتل أبيب، والتعاون العسكري الذي بدأ يتقوى بين البلدين، في وقت يعرف فيه المغرب تحديات إقليمية معروفة، كما أن هذا التقارب سيساهم في تحفيز اليهود من أصل مغربي للعمل بشكل أقوى خدمة القضايا الوطن وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية، من مختلف المنظمات الدولية الوازنة التي يتواجدون فيها.

السياسة الخارجية للدول تدبر وفق منطق المصالح والتوازنات والتوافقات مع استحضار السياقات الوطنية والاقليمية والدولية، وليس على إيقاع الشعارات الرنانة و الرغبات و العواطف، وسياستنا الخارجية تستحق منا الافتخار بها، والاحتذاء بها في إصلاح أوضاعنا الداخلية التي تحتاج إلى عمل كبير، من خلال مقاربة المشاركة و الانخراط، وليس بالنقد الذي لا يولد البدائل أو بمقاربة “المقعد الشاغر”.