مسكين : غياب المحاكمة العادلة يؤدي إلى إضعاف الثقة في القوانين الداخلية

عقب نشر الخارجية الأمريكية تقريرا حول ممارسات حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2022، والذي تناول عدة قضايا تشمل فرض السلطات المغربية لقيود خطيرة على حرية التعبير والإعلام ؛ و اعتقالاتها غير المبررة و محاكماتها للصحفيين، إضافة للرقابة والإنفاذ أو التهديد بفرض التشهير الجنائي للحد من التعبير، حيث ذكر التقرير أن الحكومة المغربية حاكمت 631 شخصا جنائيا، بسبب تصريحات أدلوا بها أو نشروها، بما في ذلك 32 قضية ضد صحافيين، كما أوقفت خلال العام ست صحف إلكترونية بداعي عدم امتثالها للقانون المنظم ، قمنا بطرح ثلاثة أسئلة، على الصحافي والباحث في العلوم السياسية يونس مسكين، الذي سبق له الاشتغال كرئيس تحرير جريدة “أخبار اليوم”، كالتالي :

1-عاينتم إغلاق جريدة “أخبار اليوم” على غرار الكثير من الصحف في المغرب، ما رأيكم في ورود “غلق السلطات المغربية لست صحف إلكترونية سنة 2022 لعدم امتثالها للقانون” بالتقرير؟

-إغلاق أية مؤسسة صحافية كيفما كانت الأسباب والمبررات يظل حدثا مؤسفا ومثيرا للقلق تجاه حرية الرأي والتعبير، لكن توقف جريدة “أخبار اليوم” عن الصدور مختلف عن السياق الذي يأتي فيه تقرير الخارجية الامريكية وما يشير إليه من إغلاق لمنابر إعلامية في المغرب. جريدة “أخبار اليوم” توقفت عن الصدور لأسباب معقدة وليس بقرار صادر عن السلطات، سواء منها التنفيذية أو القضائية. بينما التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية يشير إلى إغلاق صحف إلكترونية لعدم امتثالها للقانون، وهو يشير بشكل واضح إلى قانون الصحافة والنشر، والذي نص على الاعتراف القانوني بالصحف الإلكترونية، على غرار نظيرتها الورقية، لكنه وضع مجموعة من الشروط التي ينبغي استيفاؤها من أجل ممارسة العمل الصحافي وفقا للقانون. هذه القواعد القانونية جاءت في الأصل لحماية المهنة وتاطيرها ومنع المتطفلين والدخلاء من ممارستها، لكن تنفيذ هذه المقتضيات القانونية يبقى قابلا للتطوير والمراجعة، حيث ينبغي للممارسة أن تضمن الحماية التي ينص عليها الدستور والمواثيق الدولية لحرية الرأي والتعبير، وأن يتم تأويل النصوص القانونية وفقا للروح التي تنتصر للحرية وتجنب المجتمع أي نوع من الرقابة او التضييق. أي أن هذا الموضوع ينبغي أن يكون محور نقاش مفتوح بين المهنيين والمشرعين والمختصين في القانون، من أجل القيام بتقييم موضوعي.

2-ما رأيكم في المفارقة التي تجعل “عدم استقلال القضاء” الذي عبر عنه التقرير بغياب المحاكمة العادلة في ملفات الصحافيين الراضي والريسوني نموذجا؟

أعتقد أن هناك إجماع بخصوص غياب شروط المحاكمة العادلة في مجموعة من الملفات التي تتعلق بصحافيين ومدونين ونشطاء حقوقيين، وذلك وفقا لتقارير أنتجها متخصصون مغاربة وأجانب، قاموا بملاحظة تلك المحاكمات ودراسة ملفاتها بكل دقة، ليخلصوا إلى غياب شروط المحاكمة العادلة. انطلاقا من ذلك يفترض أن يكون هذا الامر موضوع نقاش عمومي لمحاولة إنتاج الأجوبة الملائمة، أي وضع ضمانات فعلية وحقيقية تحمي حرية الرأي والتعبير وتمنع السلطات من الشطط ومن ممارسة الرقابة والتضييق على المخالفين والنشطاء. الموضوع هنا لا يسمح بأية مزايدات أو توظيف، بل نحن أمام رصد موضوعي لمعطيات موثقة تتعلق بتعرض مجموعة من المواطنين المغاربة للظلم، وهو ما يفتح الباب من جهة امام التدخلات الأجنبية التي قد تكون خلفياتها هي الانتصار للحقوق والحريات وقد تكون أشياء أخرى مرتبطة باجندات خاصة، كما يؤدي ذلك إلى إضعاف الثقة في المؤسسات والقوانين الداخلية، ما ينعكس على البلاد في جميع المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية…

3-نظرا لثقل وزن تقرير الخارجية الأمريكية حول ممارسات حقوق الإنسان بالمغرب مقارنة بتوصية البرلمان الأوروبي، ولحدة النبرة الانتقادية للتقرير، والتقهقر الذي تشهده أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب، هل من الممكن أن تصدر ردة فعل حقيقية من الحكومة المغربية لمحاولة تحسين أوضاع حقوق الإنسان؟

أعتقد أن رد السلطات المغربية على مضامين هذا التقرير كان واضحا وشبه فوري، من خلال اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المغربي بنظيره الأمريكي ساعات قليلة بعد صور التقرير. الدولة المغربية تفاعلت مع التقرير بوصفه سلوكا سياسيا، أي أنها قرأت فيه مؤشرات الضغط والانزعاج الأمريكيين لاعتبارات سياسية، وبادرت إلى إرسال وزير الخارجية إلى واشنطن لطرح الملفات التي يحتمل أنها سبب هذا الانزعاج السياسي. بالتالي أنا لا أتوقع أي انعكاس لتقرير الخارجية الامريكية على الوضع الحقوقي في المغرب، إذ لا تبدي السلطات المغربية أي استعداد للقيام بخطوة تصحيحية أو مبادرة تسعى إلى إحداث انفراج حقوقي في ملفات معينة، بل تفضل تدبير هذا الملف بالأدوات السياسية رغم الكلفة الكبيرة التي يؤدي إليها ذلك. شخصيا أعتقد أن مبادرة وطنية تنطلق بشكل إرادي وتشاوري لإنهاء الملفات العالقة وتحقيق الإنصاف المطلوب، سيحقق مكاسب كبرى على الصعيدين الداخلي والخارجي لكن للسلطات اختيار آخر للأسف.