عندما تتحول الطموحات المالية إلى كابوس.. هكذا تخطف شبكات «التسويق الهرمي» مدخرات المغاربة

تسبّب اختفاء منصة الاستثمار الإلكترونية المعروفة باسم «إس إم جي» في صدمة لمئات المواطنين المغاربة، الذين وجدوا أنفسهم فجأة أمام مدخرات مُهدَرة. وتُعيد هذه الواقعة تسليط الضوء على انتشار النموذج الاحتيالي المعروف بالتسويق الهرمي، كما تُبرز التحديات الجسيمة التي تواجه حماية الأفراد في الفضاء الرقمي.
ورصد «مغرب تايمز»، منذ يوم الإثنين، تصاعداً في حدة الاحتجاجات والتقارير الإعلامية حول القضية. فقد رسمت المنصة صورة وردية للمستثمرين، ووعدتهم بعوائد يومية تتراوح بين 100 و120 درهماً مقابل مهام بسيطة، من قبيل مشاهدة الإعلانات، تحت شعار «الحرية المالية». غير أن ما كان يختبئ خلف هذه الواجهة التكنولوجية الجذابة هو نموذج «بونزي» الكلاسيكي، حيث تُدفَع أرباح الأعضاء القدامى مباشرة من استثمارات الوافدين الجدد.
واعتمدت آلية الاحتيال على تحفيز المستخدمين للانخراط في «باقات خاصة»، وجذب أكبر عدد ممكن من المعارف والأصدقاء، مستغلة رأس المال الاجتماعي وثقة الأفراد في محيطهم القريب. وعندما بلغ عدد الضحايا حجماً حرجاً، اختفت الخيوط الرئيسية للشبكة، لتُترك وراءها موظفاً بسيطاً في مكتب واجهة بحي الحاجب، تحوّل لاحقاً إلى كبش فداء أمام غضب المتضررين وأجهزة العدالة. وأفادت تحقيقات أولية بأن عدداً من التحويلات المالية جرى نحو حسابات بنكية محلية تحمل أسماء أشخاص طبيعيين، ما قد يشكّل مدخلاً لتتبع الروابط المحلية لهذه الشبكة.
وسعت الشبكة إلى ترسيخ مصداقيتها عبر ستار مؤسسي دولي مُزيّف، تجسّد في خطاب حماسي ألقاه نائبها الرئيسي المزعوم، تشارلز كلارك. وفي فيديو موجّه للأعضاء، ظهر كلارك من داخل ما يشبه مكتباً تنفيذياً، مؤكداً أن الإدارة العليا «تراقب عن كثب وتُقدّر العمل الجاد لكل موظف في المغرب»، متعهداً بفتح آلاف المكاتب والمتاجر في البلاد حتى عام 2026، سعياً إلى ما وصفه بـ«التعولم الحقيقي».
ويشرح أحد المراقبين سبب استمرار جاذبية هذه النماذج رغم حظرها قانونياً، معتبراً أن «وعد الثراء السريع بمجهود ضئيل يمارس جاذبية عاطفية قوية، خاصة في أوضاع اقتصادية صعبة». وأضاف أن استخدام منصات مثل «تيك توك» و«إنستغرام» غيّر المعادلة، إذ أتاح استهداف الشباب والفئات الهشة عبر محتوى مُعدّ بعناية وشهادات مُخرَجة بعناصر إقناع عالية.
ولتعميق التبعية، اعتمدت الشبكة أساليب بناء فرق قسرية، شملت عقد اجتماعات أسبوعية إلزامية وتقديم «إرشاد» مستمر، بهدف ضخ «طاقة جديدة» في النظام. وذهب كلارك إلى أبعد من ذلك حين شدّد على ضرورة أن يفهم القادة «احتياجات الأفراد العائلية والشخصية»، في محاولة للتدخل في الحياة الخاصة وتعزيز الولاء للمنظومة.
كما وُظِّفت ورقة العمل الخيري كستار أخلاقي، إذ قُدِّمت مبادرات موجّهة لدور الأيتام ومساعدات للأسر المعوزة باعتبارها ركناً من أركان المشروع. ودعا كلارك الأعضاء إلى إشراك السلطات المحلية ووسائل الإعلام في هذه الأنشطة، في مسعى لتحييد النقد الأخلاقي وجذب التعاطف تحت غطاء المسؤولية الاجتماعية.
ويُجرّم القانون المغربي، وبالتحديد المادة 58 من قانون حماية المستهلك، نظام البيع الهرمي، ويُعاقَب عليه بغرامات مالية قد تصل إلى 500 ألف درهم، وبعقوبات سالبة للحرية تتراوح بين شهر وخمس سنوات، مع مصادرة الأرباح وإغلاق المؤسسة. وتوجد تشريعات مماثلة في دول أخرى، من بينها فرنسا والولايات المتحدة.
غير أن مسار العدالة يواجه عقبات متعددة، أبرزها تردد عدد من الضحايا في تقديم شكاوى، خوفاً من الوصمة الاجتماعية أو بدافع الحرج، إلى جانب تعقيد المساطر القانونية، وانتقال الجناة بين ولايات قضائية مختلفة بما يتجاوز حدود الرقابة الوطنية. كما تُشكّل السرعة التي يتكيّف بها المحتالون مع المنصات الرقمية تحدياً حقيقياً لقدرات المراقبة التقليدية.
ويدعو خبراء الحماية إلى اعتماد نهج متكامل للتصدي لهذه الظاهرة، يرتكز على تعزيز الثقافة المالية لتمكين الجمهور من تمييز العروض غير الواقعية، وتقوية التعاون الدولي بين الهيئات الرقابية، وتبسيط آليات التبليغ على المنصات الرقمية، إلى جانب تطوير سبل الدعم القانوني والنفسي للضحايا. وتظل قضية «إس إم جي» مثالاً صارخاً يُبرز الحاجة إلى تسريع تكييف الأطر القانونية مع التحولات المتسارعة في العالم الرقمي.

تعليقات