«الدولة الاجتماعية» على المحك.. ووعود أخنوش تحت رحمة الساعة الموقوتة للتقاعد

يُواجه المشروع السياسي الذي تبنته حكومة عزيز أخنوش تحت شعار «الدولة الاجتماعية» اختباراً وجودياً، تهدده ساعة موقوتة مالية. فتحذيرات الانهيار الوشيك لنظام التقاعد، المحددة زمنياً بحلول عام 2028، لا تُنذر بأزمة مالية فحسب، بل تُلقي بظلالها الثقيلة على مصداقية الوعود الاجتماعية الأوسع التي بُني عليها الخطاب الرسمي.
وكانت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، قد أعلنت يوم الثلاثاء أن الحكومة ملتزمة بمسار توافقي دقيق لإصلاح النظام. وجاء هذا التصريح في أعقاب اجتماع تقني أول، ترجمة لمحضر ختام الحوار الاجتماعي المركزي الذي جرى في أبريل الماضي. وأوضحت الوزيرة أن نهج الحكومة يقوم على دراسة كل صندوق من الصناديق الأربعة على حدة، مع ممثليه، دون تقديم أي حلول جاهزة قبل استكمال هذه التشخيصات المشتركة.
إلا أن هذا المنهج القائم على التريث والتفاوض، رغم منطقته السياسية السليمة، يصطدم بواقع مادي عاجل لا يرحم. فبينما تتحدث الأطراف عن الاجتماعات المقبلة و«منهجية العمل»، تُظهر الأرقام الفنية أن الصندوق المغربي للتقاعد يسير على حافة الهاوية مالياً. كما أن هذا التصدع ليس معزولاً، فهو ينذر بخلل شامل قد يطال الصناديق الأخرى تباعاً في أفق زمني غير بعيد.
وتتعمق الهوة، حسب مصادر «مغرب تايمز»، بين الوعد والواقع عند النظر إلى البنية التحتية الهشة لنظام التقاعد. فوجود أكثر من ستة ملايين مغربي نشط خارج أي تغطية تقاعدية لا يعني فقط معاناة إنسانية محتملة، بل يعني أيضاً إفلاساً رياضياً للمعادلة التمويلية لأي نظام. وعليه، فإن أي حديث عن «دولة اجتماعية» بينما يُستبعد هذا العدد الهائل من دائرة الحماية يبدو كبناء قصر على رمال متحركة.
هنا بالضبط يكمن جوهر الاختبار. فالحكومة، في العام الأخير الفعلي من ولايتها، تقف أمام خيارين عسيرين: المضي قدماً في إصلاحات بنيوية مؤلمة، كتعديل سن التقاعد أو نسبة المساهمات، مع ما تجلبه من غضب اجتماعي وسياسي مباشر، أو مواصلة تأجيل القرار، مُضحيةً باستقرار النظام المالي في المدى المتوسط مقابل هدوء مؤقت.
وأكدت مصادر نقابية للموقع أن تمسك النقابات بموقفها الرافض يعود إلى تحميل الأجراء وحدهم فاتورة الإصلاح وحجم التعقيد. فهم لا ينظرون فقط إلى أزمة السيولة الوشيكة، بل إلى عدالة النظام برمته ومبدأ التضامن بين الأجيال وبين مكونات المجتمع، وهو المبدأ ذاته الذي يُفترض أن تقوم عليه «الدولة الاجتماعية».
لم يعد السؤال يدور فقط حول كيفية إنقاذ الصندوق المغربي للتقاعد من الإفلاس الفني عام 2028، بل تحوّل إلى سؤال أكبر وأكثر مصيرية: هل يمكن أن تصمد رؤية «الدولة الاجتماعية» كمرجعية حقيقية إذا فشلت في حماية المواطن من الفقر في شيخوخته بسبب عجز النظام القائم وتأجيل الإصلاح؟ الجواب الذي سيتشكل خلال الأشهر القليلة المقبلة قد يُعيد تعريف العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين لفترة طويلة.

تعليقات