آخر الأخبار

صورة مبتورة وتحليلات انتقائية.. الإعلام الجزائري يغرد خارج السرب في «كان المغرب 2025»

تحولت بطولة كأس أمم إفريقيا بالمغرب إلى اختبار حقيقي لمهنية الإعلام الرياضي في المنطقة. ففي الوقت الذي شكَّلت فيه التظاهرة القارية حدثًا رياضيًا احتفاليًا جامعًا، كشفت بعض التغطيات الإعلامية عن اختلالات واضحة في التعاطي مع الوقائع، وعرَّت الفجوة القائمة بين الخطاب المهني والممارسة الموجَّهة، خصوصًا لدى وسائل إعلام الجوار، ولا سيما الجزائرية منها، التي اختارت خطابًا منحازًا أضر بصورة البطولة وسمعة الحدث على المستوى الإقليمي.

اليوم، يبدو المشهد الإعلامي الدولي منسجمًا مع نجاحات التنظيم المغربي، حيث ركزت أغلب المنابر العالمية على الجوانب التقنية والتنظيمية للبطولة، وأبرزت مستوى البنية التحتية وجودة الملاعب وحسن تدبير الحدث. في المقابل، اعتمدت وسائل إعلام جزائرية بارزة خطابًا مغايرًا، طغت عليه نبرة التشكيك والانتقاص، مع تغييب متعمد لأي قراءة موضوعية للمعطيات الميدانية، محاولين تلميع أي تفاصيل سلبية مفترضة على حساب الإنجازات الملموسة.

هذا التعاطي لم يتوقف عند حدود الآراء المتحيزة، بل تحوّل إلى حملة إعلامية ممنهجة لإعادة تشكيل صورة البطولة وفق منطق انتقائي. فقد تجاهلت هذه الوسائل تقارير رسمية صادرة عن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم أشادت بالتنظيم والجاهزية، مقابل تضخيم تفاصيل هامشية أو الاستناد إلى معطيات غير مؤكدة، في خروج صارخ عن أبجديات العمل الصحفي الرصين ومخالفة واضحة للقواعد المهنية.

المفارقة أن آلاف الجماهير الجزائرية التي حضرت المباريات كانت شاهدة على جودة التنظيم وفعالية البنية التحتية الحديثة والملاعب المجهزة وفق المعايير الدولية، بالإضافة إلى الأجواء الاحتفالية المبهجة التي رافقت البطولة. ورغم ذلك، لم ينعكس هذا الواقع الملموس في الخطاب الإعلامي الرسمي، الذي اختار مسارًا مغايرًا قائمًا على طمس الحقائق وإعادة إنتاج روايات سلبية دون أي دليل ملموس.

يمكن تحليل هذا السلوك الإعلامي على أنه يعكس سياسة راسخة في توظيف الأحداث الرياضية لخدمة حسابات سياسية ضيقة، حيث تحول حدث رياضي عالمي إلى أداة للتأجيج الإعلامي بدل تعزيز التقارب والتواصل بين الشعوب. وقد بدا واضحًا أن الخطاب الجزائري المتحيز تجاه البطولة لم يهدف إلى النقد البناء، بل إلى التشكيك في قدرات المغرب التنظيمية وتقليل حجم النجاحات على الساحة القارية.

الأكثر لفتًا للانتباه أن هذا الخطاب وقع في أخطاء مهنية جسيمة، سواء من حيث ضعف الاعتماد على المصادر الموثوقة أو الانزلاق نحو التحليل الانطباعي والتفسيرات المتحيزة. بل إن بعض القراءات الفنية للمباريات، خصوصًا تحليلات المباريات التي شارك فيها المنتخبان الجزائري والمغربي، خرجت عن إطارها الرياضي واتخذت طابعًا تحريضيًا أفقدها مصداقيتها لدى الجمهور، مما عمّق الفجوة بين الإعلام والمشاهدين.

وتتجلى الكلفة الحقيقية لهذا النهج في تآكل الثقة بين الوسيلة الإعلامية وجمهورها، إذ كلما اتسعت الهوة بين الخطاب المقدم والواقع المعاش، تقلصت قدرة الإعلام على التأثير، وهو ما يشكل خسارة استراتيجية لأي منبر يسعى إلى الاستمرارية والصدقية، ويفتح الباب أمام الجمهور للبحث عن مصادر أكثر مصداقية وشفافية.

كما أن انعكاسات هذا الخطاب لم تتوقف عند حدود المتلقي المحلي، بل امتدت إلى العلاقات الإقليمية، إذ تحولت البطولة، بفعل التغطية المتحيزة للجانب الجزائري، من فرصة لتخفيف التوترات إلى عامل إضافي لتغذية الشرخ بين البلدين، في تناقض صارخ مع أخلاقيات المهنة ومسؤولية الإعلام تجاه المجتمع والدبلوماسية الرياضية.

في المقابل، حافظ الإعلام المغربي وعدد من المنابر الدولية على مقاربة متوازنة، نقلت الصورة كاملة، بإيجابياتها وتحدياتها، دون تهويل أو تبخيس، مع تقديم تحليلات موضوعية ومدعومة بالوقائع. ويؤكد هذا المسار أن المهنية ليست خيارًا ظرفيًا، بل شرط أساسي لصدقية الإعلام، وأن الوقائع الميدانية تظل أقوى من أي خطاب مشحون، مهما تعددت زواياه، كما تؤكد قدرة الجمهور على التمييز بين الخبر الموضوعي والخطاب الموجه.

المقال التالي