9.638 أجنبيًا أمام القضاء المغربي في عام واحد.. والمخدرات الجرم الأبرز

تسلط أحدث البيانات الرسمية الضوء على كفاءة وآليات عمل منظومة العدالة المغربية في التعامل مع ملفات الأجانب المحكوم عليهم، حيث تُظهر أرقام حديثة مستوى عالياً من الحسم والتنفيذ ضمن إطار قانوني منضبط يحفظ الحقوق ويحترم الالتزامات.
وكشف التقرير السنوي لرئاسة النيابة العامة، الذي نشر حديثا، عن تحقيق نسبة إنجاز لافتة بلغت 96 في المائة في مجال البت بطلبات ترحيل الأجانب المحكوم عليهم. تعكس هذه النسبة المرتفعة جهداً مؤسسياً مكثفاً وإجراءات مُمنهجة، تُعالج من خلالها طلبات دول أجنبية شتى في وقت قياسي، مع الحفاظ الدقيق على التوازن بين التنفيذ القانوني واحترام الضمانات الأساسية للأفراد.
وتندرج هذه الإجراءات ضمن إطار قانوني متكامل يرتكز على القانون المنظم لدخول وإقامة الأجانب بالمملكة، إلى جانب مجموعة من الاتفاقيات الثنائية والدولية التي تربط المغرب بدول العالم. يبرز هذا السياق التزام المملكة بمواثيق التعاون القضائي والأمني الدولي، مع التأكيد على سيادة تشريعاتها الوطنية في تنفيذ مثل هذه القرارات.
وتتولى النيابة العامة، بوصفها جهازاً قضائياً رقابياً، دور المحور الأساسي في هذه العملية المعقدة. لا يقتصر دورها على التصديق الشكلي، بل يمتد إلى الإشراف المباشر على كامل المسطرة القانونية لضمان سلامتها، والتنسيق الحثيث مع قطاعات حكومية متعددة، أبرزها وزارة الشؤون الخارجية والسلطات المكلفة بتنفيذ العقوبات، لتحقيق التكامل في التنفيذ.
وجاءت هذه النسبة الكبيرة من الإنجاز استجابة لـ 82 طلباً رسمياً للترحيل تقدمت بها دول عدة إلى السلطات المغربية خلال الفترة المشمولة بالتقرير. وقد تم البت بشكل نهائي في 79 طلباً منها، بينما لا تزال ثلاثة طلبات فقط قيد الدراسة والمعالجة حتى تاريخ إغلاق التقرير، مما يشير إلى قدرة استيعابية عالية وسرعة في المعالجة مع الدقة المطلوبة.
وتكشف خريطة توزيع الطلبات عن طبيعة العلاقات القضائية والأمنية للمغرب مع شركائه المباشرين. فقد تصدرت إسبانيا قائمة الدول الطالبة بواقع 32 طلباً، تليها إيطاليا بـ 21 طلباً، ثم فرنسا بـ 14 طلباً. كما شملت القائمة طلبات من هولندا وليبيا وتركيا وبلجيكا وبريطانيا، مما يرسم صورة لجغرافية قضائية تعكس حركة الأشخاص والعلاقات الثنائية.
ولا تقتصر ضمانات هذه المساطر على الجانب الإجرائي فحسب، بل تشمل حزمة من الحماية القانونية المكفولة للأشخاص المعنيين. تؤكد النيابة العامة أن عملية الترحيل تتم تحت رقابتها القضائية، مع ضمان حق الدفاع ومراعاة الظروف الإنسانية وعدم إرجاع أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه للاضطهاد، وذلك تماشياً مع مبادئ القانون الدولي.
وعلى جانب موازٍ، يكشف التقرير ذاته عن صورة أشمل لتفاعل المنظومة القضائية مع الأجانب، حيث بلغ عدد المتابعين منهم أمام المحاكم 9638 شخصاً خلال نفس الفترة. توزعت قضاياهم بين 9370 جنحة أمام المحاكم الابتدائية و268 جناية أمام محاكم الاستئناف، مما يوضح حجم وطبيعة التواجد القضائي للأجانب في المغرب.
وتمثل قضايا المخدرات الحصة الأكبر من الجرائم المسجلة في حق الأجانب، حيث بلغت 339 قضية، تليها قضايا السرقة ثم النصب. والأهم من ذلك، أن المتابعة القضائية لم تؤد إلى الاعتقال الممنهج، حيث قدّم 8079 شخصاً للمحاكمة في حالة سراح مقابل 343 معتقلاً فقط، مما يؤكد سمو مبدأ افتراض البراءة وكون الحرية هي الأصل في الإجراءات.
نسبة الـ 96 في المائة ليست مجرد رقم إحصائي، بل هي مؤشر على سيرورة مؤسسية متكاملة تجمع بين الحزم في تنفيذ القوانين والاتفاقيات، والدقة في احترام الضمانات القانونية والدولية، والشفافية في رفع التقارير، وهو ما يكرس صورة للمغرب كدولة تحترم سيادة القانون وتتعاون بفعالية ضمن المنظومة القضائية الدولية.

تعليقات