آخر الأخبار

مئات المغاربة يتجمّدون على الأرصفة.. أين هي الدولة الاجتماعية لأخنوش

مع كل موجة برد تجتاح المدن المغربية، تتحول قضية التشرد من مجرد ملف اجتماعي إلى مأساة إنسانية عاجلة، تضع الادعاءات الرسمية حول «بناء الدولة الاجتماعية» أمام اختبار مصداقية قاسٍ. فبينما تتصدر الشعارات عن الحماية الاجتماعية والعدالة المجالية الخطابات السياسية، يظل المئات من المواطنين بلا مأوى، يحتمون بأكياس النايلون من قسوة الطبيعة على الأرصفة.

تطرح هذه الصورة التناقض الصارخ بين الطموحات المعلنة والواقع المرير. فالمشرد لا يواجه البرد فحسب، بل يواجه أيضاً برودة السياسات التي فشلت في إيجاد حلول جذرية واستباقية. السؤال الذي يفرض نفسه: أين تذهب الموارد المخصصة للبرامج الاجتماعية؟ وأين تختفي البنى التحتية للرعاية التي من المفترض أن تكون حاضرة في نموذج «الدولة الاجتماعية» الذي يُروج له؟

في قلب هذا التناقض، تطفو على السطح حكومة يقودها رجل الأعمال والأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، الذي يروّج لخطاب اقتصادي اجتماعي. لكن يبدو أن الأولوية القصوى للحسابات الاقتصادية الكلية وتشجيع الاستثمار تترك هامشاً ضيقاً للقضايا الإنسانية العاجلة. فالتدخلات تظل موسمية، تقتصر غالباً على عمليات إيواء طارئة أثناء موجات البرد القارس، ثم تعود القضية إلى طي النسيان مع تحسن الطقس.

يقودنا هذا إلى تحليل أعمق لأسباب الظاهرة. فالتشرد ليس قدراً محتوماً، بل هو نتيجة تراكمية لفشل متعدد الأبعاد: فشل نظام التعليم في الإدماج، وفشل سياسات السكن في توفير بدائل ميسورة، وفشل منظومة الصحة النفسية في الاستباق والتدخل، وفشل شبكات الأسر والجمعيات في احتواء من يفقدون السند.

المفارقة المؤلمة تكمن في أن العديد من المشردين هم من «المرضى النفسيين الذين تُركوا للشارع»، و«الشباب الخريجين العاطلين»، و«ضحايا الهشاشة الأسرية». هؤلاء جميعاً كان من المفترض أن يكونوا المستفيدين الأولين من «الدولة الاجتماعية» التي ترفع شعار الحماية والكرامة للجميع.

على الأرض، يبدو المشهد مختلفاً. فمراكز الاستقبال والإيواء، إن وجدت، تعاني من نقص فادح في القدرة الاستيعابية والموارد البشرية والتجهيزات اللازمة. وغالباً ما تكون ظروفها دون المستوى الإنساني المقبول، مما يدفع بعض المشردين إلى تفضيل الشارع على هذه «المآوي». أما برامج إعادة الإدماج المهني والاجتماعي، فهي إما غائبة تماماً أو ضعيفة التنفيذ.

هذا الواقع يطرح سؤالاً جوهرياً حول طبيعة الأولويات. فبينما تُنفق الملايين على مشاريع بنى تحتية كبرى وترويج صورة دولية لامعة، يموت مواطنون من البرد بسبب غياب سقف بسيط. هذه المفارقة لا تُظهر خللاً في التوزيع فحسب، بل تكشف عن أزمة في الرؤية الاجتماعية للحكامة.

لا يمكن اختزال الحل في زيادة الميزانيات فقط، رغم أهميتها. بل المطلوب نقلة نوعية في التفكير: من النظرة الخيرية إلى النظرة الحقوقية، ومن التدبير الموسمي إلى التخطيط الاستراتيجي، ومن العمل الفردي إلى التنسيق المؤسساتي الحقيقي بين وزارات الداخلية والصحة والأسرة والإسكان.

إن اختبار أي «دولة اجتماعية» حقيقية لا يُقاس بضخامة المشاريع ولا ببلاغة الخطابات، بل بقدرتها على حماية أضعف مواطنيها في أحلك الظروف. حين يتجمد إنسان على رصيف في القرن الحادي والعشرين، تكون الدولة بكل أجهزتها قد تجمدت معه. والسؤال الذي ينتظر إجابة: هل ستستمر «الدولة الاجتماعية» لأخنوش كشعار انتخابي، أم ستتحول إلى حقيقة يشعر بها من ليس له سوى الرصيف سكناً والبرد رفيقاً؟

المقال التالي