خبراء يحذرون من تداعيات التوسع الإسرائيلي في الفلاحة الوطنية

نبهت دراسة أكاديمية حديثة إلى تنامي الحضور الصهيوني داخل القطاع الزراعي المغربي، معتبرة أن هذا التوسع المتسارع، الذي تزايد بشكل لافت عقب استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل في أواخر سنة 2020، يطرح إشكالات استراتيجية تمس السيادة المائية والغذائية للمملكة.
الدراسة، التي أعدها أستاذ باحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة ونُشرت في عدد دجنبر 2025 من مجلة أكاديمية متخصصة، خلصت إلى أن التعاون الزراعي بين الطرفين تجاوز حدود نقل التكنولوجيا أو الشراكات التقنية، ليتحوّل إلى اختراق بنيوي يشمل مفاصل أساسية من منظومة الإنتاج، بدءاً من البذور والمياه وصولاً إلى التسويق والتصدير.
وسجلت الدراسة أن الاتفاقات الموقعة في إطار ما يُعرف باتفاقات أبراهام شكّلت نقطة تحوّل مفصلية، إذ انتقل التعاون من مستوى محدود وغير معلن إلى سياسة توسّع ممنهجة، استفادت من هشاشة الوضع المائي بالمغرب ومن توالي سنوات الجفاف.
وبحسب المعطيات الواردة في الدراسة، يواجه المغرب أزمة مائية بنيوية، في ظل اعتماد النشاط الزراعي على نحو 87 في المائة من الموارد المائية الوطنية، بالتوازي مع تراجع التساقطات المطرية. ورغم هذا الوضع، جرى توجيه السياسات الفلاحية نحو نماذج إنتاج تصديرية كثيفة الاستهلاك للمياه، خصوصاً في زراعات مثل الطماطم والأفوكادو والفواكه الحمراء.
وأبرزت الدراسة أن الكيان الصهيوني، الذي يعاني بدوره من ندرة المياه، استثمر هذه الأزمة عبر تسويق حلول تكنولوجية في مجالات الري بالتنقيط وتحلية المياه والزراعة الذكية، غير أن هذه الحلول، وفق الباحث، تكرّس منطق التبعية بدل تعزيز السيادة الوطنية في المجال الزراعي.
كما وثقت الدراسة حضور عدد من الشركات الصهيونية الكبرى في السوق المغربية، من بينها شركات متخصصة في تقنيات الري وإنتاج وتصدير الفواكه والبذور، تستحوذ على حصص كبيرة من السوق وتتحكم في أصناف أساسية من المدخلات الفلاحية، بأسعار مرتفعة تصل في بعض الحالات إلى عشرات الآلاف من الدولارات، إلى جانب توسّع شركات أخرى في مجالات الزراعة الرقمية وتحليل المعطيات وتربية الأحياء المائية، حيث تغطي بعض الحلول التكنولوجية آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية.
وسجّلت الدراسة أن التركيز على الزراعات الموجهة للتصدير يعني عملياً تصدير المياه في شكل محاصيل، إذ يتطلب إنتاج كيلوغرام واحد من الأفوكادو ما بين 600 و1000 لتر من المياه، في بلد يعاني من عجز مائي متفاقم. واعتبرت أن هذا النموذج يساهم في تعميق العجز الغذائي، ويجعل السوق الداخلية أكثر هشاشة أمام التقلبات الخارجية، في وقت يتزايد فيه الاعتماد على استيراد البذور ومدخلات الإنتاج الأساسية.
وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن هذا التعاون الزراعي وفّر قناة غير مباشرة لتجاوز حملات المقاطعة الدولية، من خلال استخدام المغرب كمنصة للإنتاج وإعادة التصدير نحو الأسواق الأوروبية والدولية، بما يخفف الضغط السياسي والاقتصادي عن الشركات الصهيونية.
وخلصت الدراسة إلى أن هذا التغلغل، رغم ما يوفره من مكاسب تقنية على المدى القصير، يفضي على المدى المتوسط والبعيد إلى تآكل السيادة الوطنية، واستنزاف الموارد المائية، وإضعاف القدرة المحلية على التحكم في سلاسل القيمة الزراعية.
كما نبهت إلى أن استمرار هذا المسار قد يحوّل المغرب من بلد منتج إلى حلقة ضمن شبكة إنتاج عابرة للحدود، تخضع لمنطق السوق العالمية على حساب أولويات الأمن الغذائي الوطني.
ودعت في ختامها إلى إعادة توجيه السياسات الفلاحية نحو نموذج يوازن بين الانفتاح التكنولوجي وحماية الموارد السيادية، مع تعزيز البحث العلمي المحلي، ودعم البذور الوطنية، وربط الاستدامة المائية بالأمن الغذائي، عوض الارتهان المتزايد للشركات الأجنبية.

تعليقات