حين يلهو العالم… تنشط الحدود: الخطة الأمنية السرية لمواجهة «كابوس» رأس السنة في سبتة

في الوقت الذي تستعد فيه مدن العالم لاستقبال العام الجديد بالأضواء والاحتفالات، تتحول شواطئ مدينة سبتة إلى مسرح لعمليات أمنية معقدة تنطوي على مخاطر عالية. هناك، حيث يتقاطع الأمل مع أمواج بحر لا ترحم، تُختبر جاهزية أجهزة الأمن الإسبانية في مواجهة ما يُعرف داخلياً باسم «كابوس رأس السنة».
وتعيش هذه المدينة الحدودية، مع اقتراب نهاية كل عام، حالة استنفار استثنائية لا تشهدها خلال باقي الفترات. وقد برز ذلك بوضوح من خلال التدابير غير المسبوقة التي اتخذتها سلطات الحرس المدني الإسباني نهاية الأسبوع، والتي شملت تعزيزاً مكثفاً للحضورين البحري والبري. ولم تعد الدوريات محصورة في النقاط التقليدية، بل امتدت لتشمل مساحات واسعة كان يُنظر إليها سابقاً على أنها عصية بفعل وعورتها.
وتتجه الأنظار بشكل خاص إلى الخطط السرية التي تُعدها قيادة المنطقة الحدودية الجنوبية بشكل استباقي. وتؤكد مصادر ميدانية أن هذه الخطط لا تندرج ضمن ردود الفعل الظرفية، بل تقوم على تحليل دقيق لمعطيات وتجارب السنوات الماضية. ويعمل خبراء عسكريون ومحللو الهجرة غير النظامية على صياغة سيناريوهات متعددة، تتراوح بين «الخطر الأصفر» المرتبط بالمحاولات الفردية، و«الخطر الأحمر» الذي يشير إلى محاولات عبور جماعية ومنظمة.
ويحمل هذا التوقيت دلالة استراتيجية لافتة، بحسب ما يورده محللون أمنيون. إذ يسود لدى بعض المهاجرين اعتقاد بأن ليلة رأس السنة تشهد انشغالاً أمنياً أو نوعاً من التراخي في المراقبة، وهو ما تسعى الأجهزة المختصة إلى نفيه عملياً عبر تشديد الإجراءات. وتتحول نقاط المراقبة الليلية إلى مراكز عمليات نشطة، مع اعتماد تقنيات متطورة، من بينها كاميرات الرؤية الحرارية وأجهزة الاستشعار، لرصد أي تحرك في ظلمة البحر.
وفي صلب هذه المواجهة الصامتة يبرز تحدٍ جغرافي محدد، حيث تتركز الاستعدادات على ثلاث جبهات بحرية توصف بـ«الساخنة»: الحاجز الصخري في تراخال، الذي يتيح إمكانيات التخفي، ومنطقة «الريسينتو» المعروفة بتياراتها المخادعة، إضافة إلى الامتداد الساحلي المفتوح قرب ألمدرابة. وتُصنف هذه المواقع، وفق الخرائط الأمنية، ضمن «البوابات الطبيعية» التي تشكل هدفاً رئيسياً لمحاولات العبور.
ولا تقل التحديات اللوجستية تعقيداً عن التحديات الميدانية. إذ تعمل وحدات الإنقاذ البحري التابعة للحرس المدني في ظروف قاسية، تتزامن مع موسم العواصف وانخفاض درجات حرارة المياه إلى مستويات قد تهدد الحياة خلال دقائق. ويتم إخضاع القوارب لفحوص تقنية دقيقة، وتجهيزها بمعدات إنعاش إضافية، إلى جانب وضع فرق طبية في حالة تأهب دائم تحسباً لسيناريوهات إنقاذ معقدة ومتعددة الإصابات.
وفي الكواليس، تتولى غرفة العمليات المركزية تنسيق المعطيات الواردة من نقاط المراقبة الثابتة، والدوريات المتحركة، وأنظمة الرادار البحري. ويهدف هذا التكامل إلى إنشاء «حلقة ذكاء» مغلقة تُمكّن من رصد أي محاولة عبور منذ لحظاتها الأولى، والتدخل لاعتراضها قبل بلوغ مراحل تصبح فيها المخاطر أكبر، سواء على المهاجرين أو على فرق الإنقاذ.
ويظل البعد الإنساني أحد أكثر جوانب هذه المعادلة الأمنية حساسية. إذ تفيد تقارير داخلية بوجود تعليمات صارمة تُلزم العناصر الميدانية بتقديم الإسعافات الطبية الفورية لكل من يتم إنقاذه، بغض النظر عن ملابسات المحاولة. ويجد أفراد الحرس المدني أنفسهم في موقع مركب يجمع بين فرض الأمن والقيام بدور المنقذ، في واقع يومي يفرض تناقضاته على خط المواجهة البحري.
ويعكس ما يُعرف بـ«كابوس رأس السنة» في سبتة اختباراً عملياً لفعالية سياسات ضبط الحدود في أحد أكثر المعابر حساسية جنوب أوروبا. فنجاح هذه الخطط لا يُقاس فقط بعدد المحاولات التي يتم إحباطها، بل بقدرتها على تحقيق توازن دقيق بين الصرامة الأمنية وحماية الأرواح، في سياق تتابع تطوراته العواصم الأوروبية باهتمام انطلاقاً من بوابتها الجنوبية الأكثر توتراً.

تعليقات