38 ضحية بأزيلال.. أين دور وزارة الصحة في حملات التحذير من خطر التدفئة التقليدية؟

تتكرر المأساة كل شتاء في ظل صمت مؤسف، فمع كل موجة برد تتحول وسائل التدفئة التقليدية داخل البيوت إلى أداة موت صامتة. في إقليم أزيلال، وصلت حصيلة الإصابات بغاز أحادي أكسيد الكربون خلال الأيام القليلة الماضية إلى ثمانية وثلاثين مواطناً، في حصيلة تثير التساؤلات حول مدى فعالية حملات التحذير والتوعية التي يفترض أن تسبق فصل الشتاء كل عام.
وقد جاءت آخر التقارير اليوم، حيث كشفت بيانات المندوبية الإقليمية للصحة عن تسجيل خمس عشرة إصابة جديدة خلال الأسبوع المنصرم. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي قصص أسر كاملة تعرضت لخطر الموت بسبب غاز لا يرونه ولا يشعرون به، وسط ظروف مناخية قاسية تدفعهم إلى البحث عن الدفء بأي ثمن.
التفاصيل الجغرافية للحالات الجديدة تكشف عن انتشار الظاهرة عبر تراب الإقليم، وليست حكراً على مركز واحد. فقد سجلت تسع حالات في جماعة تبانت، وحالتان في آيت بولي، وأخرى في تيلوكيت، وحالتان في آيت عتاب، بالإضافة إلى حالة واحدة في مركز أزيلال نفسه. هذا الانتشار الواسع يشير إلى أن الخطر عام ومتغلغل، ولا يمكن معالجته بردود فعل طبية طارئة فقط.
مصادر مطلعة أكدت لـ«مغرب تايمز» أن هذه الحوادث ليست جماعية، بل هي حالات متفرقة ومعزولة. هذا التفرق يزيد من خطورة الوضع، لأنه يعني أن الخطر يتربص بمئات المنازل في آن واحد، وأن الضحايا قد يسقطون بشكل فردي دون أن تتحرك الأجراس الإنذارية بشكل استباقي وكافٍ لمنع الكارثة قبل وقوعها.
اللافت أن غالبية الضحايا، وتحديداً تسعين بالمئة منهم، يصلون إلى المستشفيات في ساعات الليل المتأخرة. هذه الحقيقة المريرة تكشف عن فجوة توعوية كبيرة؛ فلو كانت التوجيهات واضحة ومكثفة حول أعراض التسمم الأولى، لربما تم التوجه للاستشارة الطبية في وقت أبكر، مما يخفف المخاطر وينقذ الأرواح.
السبب الجذري يكمن في سلوكين قاتلين يجتمعان: الأول هو الاعتماد على الفحم الخشبي «المجمر» في التدفئة، والثاني هو تركيب سخانات الماء الغازية في أماكن ضيقة ومغلقة. في كلتا الحالتين، فإن الاحتراق غير الكامل في بيئة فقيرة بالأوكسجين ينتج ذلك الغاز الخانق الذي يحمل لقب «القاتل الصامت» لعدم وجود أي مؤثرات حسية تدل على وجوده.
ويساهم السلوك البشري في إكمال دائرة الخطر، حيث يؤدي إحكام إغلاق النوافذ والأبواب طلباً للدفء إلى منع تجدد الهواء. وهنا يطفو سؤال التوعية من جديد: هل تم توضيح أن التهوية الجزئية المستمرة هي شرط أساسي للسلامة وليست تضييعاً للدفء؟ يبدو أن الرسالة لم تصل بعد، أو لم تصل بالقوة والوضوح المطلوبين.
الجهود الطبية كانت مشرفة، حيث تكفلت الفرق الصحية بجميع الحالات الوافدة، وقدمت العلاجات اللازمة وفق البروتوكولات المعتمدة. ونجحت هذه التدخلات السريعة في إنقاذ جميع المصابين وتماثلهم للشفاء دون تسجيل أي وفيات. هذا النجاح على مستوى الاستجابة الطبية الطارئة يطرح سؤالاً مضاداً: لماذا لا نستثمر نفس الجهد والموارد في منع وقوع هذه الحوادث من الأساس؟
الدعوات الرسمية التي تطلقها المندوبية الإقليمية للصحة، رغم أهميتها، تبدو كإجراء روتيني متأخر. التذكير بضرورة التهوية وتجنب الوسائل الخطرة داخل الغرف المغلقة يجب أن يكون حملة إعلامية شاملة، تستخدم كل الوسائل من الإذاعة المحلية إلى منصات التواصل الاجتماعي وصولاً إلى الدروس التوعوية في المدارس والمساجد، وباللغات التي يفهمها جميع السكان.
الأرقام المتصاعدة في أزيلال ليست قدراً محتوماً مرتبطاً بالطقس البارد، بل هي نتيجة قابلة للتغيير. المعركة الحقيقية لا تكمن في علاج المصابين بعد وقوع المحظور، بل في إطلاق حملات توعوية ذكية ومستدامة تسبق موجة البرد، تصل لكل بيت، وتعلم كل أسرة كيف تدفئ نفسها دون أن تدفع ثمن الدفء بأرواح أبنائها. السؤال المطروح على طاولة المسؤولين الصحيين والمحليين والجمعويين باقٍ: متى تتحول الدروس الدامجة من كل شتاء إلى سياسة وقائية فاعلة؟

تعليقات