ضغوط متزايدة على حكومة أخنوش لمراجعة تسعيرة المحروقات

تفصل هوة شاسعة بين مؤشرات الأسواق العالمية ومحطات الوقود المغربية، إذ تتربع أسعار المحروقات على قمم تاريخية، رغم العاصفة الهابطة التي تشهدها أسعار النفط الخام. هذا المشهد المفارق يضع الحكومة الحالية، برئاسة عزيز أخنوش المعروف بخلفيته التجارية الواسعة، في موقف حرج، تتزايد معه حدة الانتقادات بسبب استمرار سياسة التسعير المعتمدة.
وسُجِّل اليوم تراجع لافت في سعر خام برنت إلى مستويات متدنية غير مسبوقة منذ سنوات. هذا الهبوط الحاد، الذي يُعد الأعلى من نوعه منذ سنة 2020، كان يفترض نظرياً أن يفتح المجال أمام قدر من الارتياح يخفف العبء عن كاهل المستهلك، غير أن الواقع المحلي يعكس مساراً مغايراً تماماً.
فالأسعار في المغرب تبدو وكأنها في جزيرة معزولة عن التحولات الدولية. فبينما ينخفض سعر البرميل عالمياً، يستقر ثمن لتر البنزين فوق حاجز 12.5 درهماً، ويظل سعر الغازوال قريباً من 11 درهماً. هذه الثباتية غير المبررة، في ظل المعطيات العالمية، تتحول إلى سؤال ملحّ يوجَّه مباشرة إلى آليات صنع القرار الاقتصادي.
وتزداد حدة التساؤلات عند مقارنة سرعة الاستجابة لتقلبات السوق. فالملاحظ أن أي ارتفاع في الأسعار العالمية كان يجد طريقه بسرعة وسلاسة إلى المضخات المحلية، في حين تتحول الانخفاضات إلى مسار بطيء ومتعثّر، إن لم تكن غائبة تماماً. هذا الاختلال يكشف، وفقاً لمراقبين، عن خلل هيكلي في نموذج الربط المعتمد.
وتتجه أصابع الاتهام نحو هوامش الربح التي تحققها شركات التوزيع، في ظل نظام تحرير الأسعار الذي دخل حيز التنفيذ في وقت سابق. ويرى كثيرون أن هذه الهوامش «مبالغ فيها»، خاصة في ظل غياب سقوف تنظيمية صارمة أو آليات رقابية فعالة تضبط السوق وتحد من تحقيق أرباح «استثنائية» على حساب المستهلك.
ولا تقف الانعكاسات عند حدود محطات الوقود، إذ تمتد كلفة النقل المرتفعة لتطال سلسلة القيمة بأكملها، فتنعكس في موجات متتالية من الارتفاع في أسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية. هذه الموجات تضرب بقوة الشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة والمتوسطة الدخل، وتستنزف مدخراتها، وتقلص قدرتها على مواجهة متطلبات الحياة اليومية.
وفي قلب هذه العاصفة، يجد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، نفسه أمام اختبار فعلي لقيادته الاقتصادية. فخلفيته كرجل أعمال ووزير سابق للفلاحة رفعت سقف التوقعات بشأن قدرته على تدبير الملفات المعقدة واقتراح حلول عملية. غير أن استمرار أزمة المحروقات يهدد بتآكل هذه الثقة، ويفتح المجال أمام تصاعد الاحتقان الاجتماعي والمطالبة بمراجعات أعمق.
وتتعالى الدعوات المطالِبة بتدخل حكومي عاجل، مع تعدد المقترحات بين إعادة النظر في سياسة تحرير الأسعار، وفرض ضوابط مؤقتة على هوامش الربح، وإحداث صندوق دعم استثنائي موجه، إلى جانب تعزيز شفافية آلية التسعير. مقترحات تسعى إلى تحقيق معادلة دقيقة بين حماية القطاع وضمان العدالة للمواطن.
في المقابل، يرى البعض في صمت الحكومة النسبي أو بطء تفاعلها استمراراً لنهج ليبرالي صرف يراهن على آليات السوق، بينما يفسره آخرون بحذر مفرط أو بصعوبة مواجهة ضغوط لوبيات اقتصادية مؤثرة. وبين هذه القراءات المختلفة، يظل المواطن البسيط الطرف الأضعف في المعادلة، يتحمل كلفة المفارقة اليومية بين الانخفاض العالمي والارتفاع المحلي.
ويبقى السؤال المطروح بقوة في المشهد الراهن: هل ستنجح حكومة «رجل الأعمال» في فك هذا اللغز المعقد؟ عامل الزمن بات حاسماً، فاستمرار الوضع الحالي يعني مزيداً من الاستنزاف المالي وتصاعد السخط الاجتماعي، في انتظار خطوة تعيد التوازن وتؤكد أن الأولوية لراحة المواطن، لا لموازنات الشركات وحدها.

تعليقات