منع ومساءلة وتجريد.. هكذا تُعيدُ المنظومة الجديدة صياغة قواعد اللعبة الانتخابية المقبلة

تستعد الساحة السياسية المغربية لاستحقاق تشريعي تاريخي في شتنبر 2026، محمّلًا بحزمة من الإصلاحات القانونية الجذرية التي تروم تغيير وجه المنافسة الانتخابية من جذورها؛ إذ تتركز هذه الإصلاحات على «تخليق» العملية الانتخابية برمتها، عبر إدخال ضوابط صارمة وعقوبات مشددة تمس مختلف مراحل الاقتراع، بدءًا من أهلية الترشح، وصولًا إلى حماية سرية التصويت.
وتندرج هذه الإجراءات ضمن سياق وطني ودولي داعم لتعزيز مصداقية المؤسسات التمثيلية؛ حيث تسعى إلى استعادة ثقة الناخبين من خلال ترسيخ ثقافة النزاهة، وقطع الطريق على الاختلالات التي وسمت محطات انتخابية سابقة.
وفي صدارة هذه المستجدات، يبرز شرط «حالة التلبس» كمانع مباشر للترشح؛ إذ يُحرم بموجبه كل شخص يتم ضبطه متلبسًا بارتكاب جرائم تمس المروءة أو نزاهة الاقتراع من خوض غمار المنافسة. ويُعد هذا الشرط، المستلهم من تجارب ديمقراطية مقارنة، إجراءً احترازيًا يرمي إلى تنقية السباق الانتخابي من الشبهات منذ لحظاته الأولى.
وبالتوازي مع ذلك، أعاد المشرع المغربي هيكلة عقوبة العزل من المسؤولية الانتخابية؛ عبر رفع مدة الحرمان من الترشح بالنسبة للمنتخبين المعزولين بسبب مخالفات جسيمة إلى دورتين انتخابيتين كاملتين. وتهدف هذه العقوبة المطوّلة إلى ردع التجاوزات الخطيرة في تدبير الشأن العام، ومنع عودة الوجوه المثيرة للجدل إلى المواقع التمثيلية قبل انقضاء فترة زمنية كافية.
ولإضفاء طابع الردع الفعلي على هذه الضوابط، جرى تشديد العقوبات الجنائية والمالية المرتبطة بالجرائم الانتخابية بشكل غير مسبوق؛ حيث شملت التعديلات مضاعفة مدد الحبس والغرامات المالية، وتحويل عدد من الجنح إلى جنايات، بما يرفع كلفة العبث بالعملية الانتخابية ويجعلها مغامرة خاسرة العواقب.
ولم يُغفل المشرع التحدي الأكثر حداثة، والمتمثل في الفضاء الرقمي؛ إذ جُرّم استخدام منصات التواصل الاجتماعي وتقنيات الذكاء الاصطناعي في بث الأخبار الزائفة أو التشهير المتعمد بالمرشحين، بعقوبات قد تصل إلى خمس سنوات حبسًا. كما حُظر تمويل الإعلانات السياسية على منصات أجنبية، في خطوة ترمي إلى تحصين القرار الانتخابي وحمايته من أي تأثيرات خارجية.
وعلى مستوى الممارسة الميدانية، أُدخلت تحسينات تقنية دقيقة لضمان نزاهة اللحظة الحاسمة، وهي التصويت؛ ويأتي في مقدمتها اعتماد «المعزل المكشوف»، وهو تصميم جديد لفضاء الاقتراع يتيح لأعضاء المكتب مراقبة وضعية الناخب، دون تمكينه من إخفاء أي محاولة لتوثيق أو العبث بورقة التصويت، بما يعزز سرية الاختيار ويحد من محاولات الترهيب أو الشراء المباشر للأصوات.
وتتجاوز هذه الإصلاحات نطاق القوانين الانتخابية لتطال قانون الأحزاب السياسية نفسه؛ حيث شُددت شروط التأسيس ومتطلبات الشفافية المالية، ومُنع موظفو السلطة التنفيذية في المناصب الحساسة من الانتماء الحزبي، ضمانًا للحياد الإداري. كما فُتح المجال أمام موارد تمويلية جديدة لتعزيز استقلالية الأحزاب، مع التشديد على قواعد الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وتُحدث هذه الحزمة المتكاملة من القوانين تحولًا استراتيجيًا في حسابات مختلف الفاعلين السياسيين؛ إذ تدفع الأحزاب إلى مراجعة معايير اختيار مرشحيها، واعتماد آليات رقابة داخلية أكثر صرامة، وإعادة هيكلة خطابها وحملاتها، خاصة في الفضاء الرقمي، بما ينسجم مع المقتضيات القانونية الجديدة.
ولا تقتصر هذه المنظومة الانتخابية المُجددة على تنظيم الاستحقاق التشريعي المقبل فحسب؛ بل تسعى إلى إرساء معادلة جديدة في العلاقة بين الدولة والمواطن، تجعل من «النزاهة» معيارًا عمليًا قابلًا للتنزيل والمساءلة، وترفع سقف الانتظارات نحو ممارسة ديمقراطية تُقاس فيها الشرعية، ليس فقط بعدد الأصوات، بل أيضًا بمدى سلامة المسار الذي أفرزها.

تعليقات