آخر الأخبار

الطاكسيات في المغرب بين مطرقة “الزبون السري” وسندان قانون متقادم

تتحول شوارع عدة مدن مغربية إلى ساحة صامتة لصراع غير متكافئ، حيث تواجه فئة واسعة من سائقي سيارات الأجرة شعوراً متصاعداً بالحَيْف والاستهداف مع تنزيل السلطات لآلية «الزبون السري» لمراقبة الخدمة. ويبدو هذا الإجراء، في ظاهره، خطوة نحو ضبط الجودة وتحسين الصورة، خاصة مع استضافة البلاد لمنافسات كأس إفريقيا، لكنه يكشف في العمق عن شرخ عميق في ثقة المهنيين بمقاربة يرون فيها انتقائية تجعلهم وحدهم في مواجهة تبعات اختلالات بنيوية.

وقد عبّر مهنيون، اليوم، عن استيائهم الشديد من تحول هذه الآلية عملياً إلى أداة زجرية فورية وسريعة. فهم يرون أن التركيز انحصر على معاقبة المخالفات الفردية المرتكبة داخل العربة، كالامتناع عن تشغيل العداد أو رفض النزول إلى وجهة معينة، بينما بقيت الأطراف الأخرى في المنظومة بعيدة عن دائرة المحاسبة الفعلية. هذا التطبيق الأحادي يغذي الإحساس بأن الحمل كله يُحمّل لأضعف الحلقات.

وفي قلب هذا الجدل، يقف نظام تشريعي يعتبره المهنيون وأطراف نقابية عديدة «أعطاباً مزمناً». فالقانون المنظم لنقل الأشخاص بسيارات الأجرة لا يزال يعمل بموجب نصوص تعود إلى ستينيات القرن الماضي، ما يجعله عاجزاً عن مواكبة تحولات القطاع ومتطلبات العصر. وهذا الإطار البالي هو الذي فتح الباب، وفق المراقبين، لظهور ثقافة الريع والامتيازات غير المبررة.

ويتمثل أحد أوجه الخلل الأبرز في إشكالية «رخص الاستغلال» وعقود التفويض. وتشير معطيات ميدانية إلى استمرار العمل برخص مسجلة بأسماء أشخاص متوفين أو غير ممارسين، في حين يضطر سائقون غير مالكين للعمل تحت وطأة هذه العقود الهشة. ويؤكد فاعلون نقابيون أن سحب «رخصة الثقة» من السائق المهني يتم في ساعات، بينما يصعب، بل قد يستحيل، سحب رخصة الاستغلال المخالفة حتى مع ثبوت التجاوزات الجسيمة.

كما يبرز إشكال آخر مركب يتمثل في ملف الحماية الاجتماعية لهؤلاء المهنيين. فقد أدى الخلط الإداري وغياب التنظيم الواضح إلى أوضاع شاذة، حيث يُلزم سائقون بأداء مستحقات للصناديق الاجتماعية دون أن يحصلوا على الاستفادة الكاملة منها، أو أن تظل مساهماتهم معلقة في دوائر بيروقراطية. هذا الوضع لا يقوض فقط الحقوق الأساسية للعامل، بل يزيد من هشاشة وضعيته ويفقده الثقة في المؤسسات.

ولا يقتصر الاستياء على آلية المراقبة ذاتها، بل يمتد إلى النقاش الأوسع حول رقمنة القطاع. فمع طرح تطبيقات الهاتف الذكي لطلب سيارات الأجرة، يسود تخوف كبير بين المهنيين من أن تتحول هذه المنصات إلى واجهة تقنية جديدة تعيد إنتاج نفس نمط الريع القديم، لكن بصيغة عصرية. ويخشون أن تصبح هذه التطبيقات وسيطاً جديداً يتحكم في العمل ويستقطع حصة من الأجر، دون أن تحل المشاكل الجذرية المتعلقة بالهوية المهنية والعقد الاجتماعي.

وفي هذا السياق، تَصدُر أصوات نقابية مطالبة بمقاربة مختلفة جذرياً. فهي تؤكد أن مبدأ المراقبة بحد ذاته ليس موضع رفض، بل إن الرفض موجّه نحو غياب «المقاربة الشمولية والعادلة» التي تشمل جميع المتدخلين في سلسلة النقل، من مالكي الرخص وواضعي السياسات إلى السائقين والزبائن. وتدعو هذه الأصوات إلى وقفة جادة لإعادة النظر في فلسفة القطاع برمته.

ويضع تنظيم المغرب لحدث رياضي ضخم مثل كأس إفريقيا هذه الإشكاليات تحت المجهر، حيث يتضاعف الضغط لتحسين جودة الخدمات المقدمة للزوار والمواطنين على حد سواء. إلا أن العديد من المراقبين يرون أن التعامل مع القطاع ظل يركز على «ترقيع» الصورة الظاهرة عبر إجراءات رقابية مكثفة، بدلاً من اغتنام الفرصة لبدء إصلاح هيكلي طال انتظاره.

الجدل الدائر حول «الزبون السري» هو مجرد عَرَض لمرض أعمق. إنه مؤشر على أزمة ثقة بين المهنيين وصناع القرار، وناقوس خطر يعلن عن انهيار التعاقد الاجتماعي ضمن قطاع حيوي. ولا يمكن تجاوز هذا المأزق دون الشروع في حوار وطني جاد يفضي إلى «قانون عصري» يقطع مع موروثات الماضي، وينظم العلاقة بين جميع الأطراف بشكل عادل، ويوفر الحماية اللازمة للسائق، ويضمن في الوقت نفسه خدمة ذات جودة للمواطن.

مستقبل «الطاكسيات» في المغرب رهين بقدرة جميع المعنيين على الانتقال من منطق الترقيع الزجري إلى منطق الإصلاح التأسيسي، حيث تكون المراقبة جزءاً من عقد مجتمعي متجدد، وليست أداةً لإدارة الأزمة وحسب.

المقال التالي