آخر الأخبار

حوار: العدول لـ«مغرب تايمز»: وهبي يُحابي الموثقين وتضارب المصالح يسيطر على إصلاح التوثيق

في خِضمِّ الجدل المتصاعد حول مشروع القانون رقم «16.22» المتعلق بتنظيم مهنة العدول، والذي لم يعد يُقرأ داخل الأوساط المهنية باعتباره مجرد تعديلٍ تقني يندرج في إطار تحديث منظومة التوثيق، بل تحوَّل إلى محطة خلاف تشريعي ومهني حاد، يبرز شكيب مصبير، الكاتب العام للنقابة الوطنية لعدول المغرب والرئيس السابق للمجلس الجهوي لعدول استئنافية الرباط، كأحد أبرز الأصوات المنتقدة للمسار الذي سلكه هذا المشروع، واصفًا ما جرى بـ«الانقلاب» على اتفاقات رسمية ومحاضر موثَّقة سبق أن جمعت وزارة العدل بالهيئة الوطنية للعدول.

هذا التوصيف، الذي لم يعد مقتصرًا على العدول فقط، يعكس، في نظر مهنيين، حالة احتقان غير مسبوقة داخل قطاع يُعد من ركائز الأمن التعاقدي. فبعد مصادقة مجلس الحكومة على المشروع وإحالته إلى البرلمان، اتسع النقاش ليشمل قضايا التشاركية التشريعية، وتكافؤ الفرص بين مهن التوثيق، وحدود الإصلاح المُعلَن. وفي هذا الحوار الذي أجرته «مغرب تايمز»، يُحاور الصحفي يوسف المالكي شكيب مصبير للكشف عن خلفيات هذا التصعيد، وتفكيك مضامين المشروع، واستشراف انعكاساته المحتملة على المهنة والمواطن على حدّ سواء.

س: ما الذي يحدث داخل قطاع العدول حتى وصل الأمر إلى إطلاق وصف «الانقلاب» على ما قام به وزير العدل ضد الاتفاقيات المبرمة مع الهيئة الوطنية للعدول؟

ج: وصف «الانقلاب» لم يعد حِكرًا على السادة العدول فقط، بل امتد أيضًا إلى السادة المحامين، وهو ما يعكس أزمة حقيقية في منطق التشاركية الذي جرى الترويج له. نحن أمام محاضر رسمية موقَّعة بين ممثلي الهيئة الوطنية لعدول المغرب ووزارة العدل، بحضور الوزير نفسه. وهذه الوثائق تُشكِّل حُجَّة قانونية وأخلاقية على وجود اتفاقات تم التراجع عنها بشكل أحادي، وهو ما لا ينسجم مع مسؤولية رجل دولة ولا مع منطق استمرارية المرفق العمومي.

س: لماذا يعتبر العدول أن مشروع القانون 16.22 يُشكِّل تراجعًا عمَّا تم الاتفاق حوله سابقًا؟

ج: مشروع «16.22» يُمثِّل، في نظرنا، رِدَّة وانتكاسة قانونية حقيقية، وانقلابًا على الشعارات التي رُفعت مع ورش إصلاح منظومة العدالة، والتي لا تزال تُستعمل في الخطاب الرسمي. فبدل تمكين العدول من آليات التحديث والحماية والجودة، جاء المشروع بمنطق تقييدي يُفرغ تلك الشعارات من مضمونها، ويُعيد المهنة خطوات إلى الوراء.

س: هناك اتهامات لوزير العدل بالمحاباة لفائدة الموثقين؛ كيف تُفسِّرون ذلك؟

ج: نعم، هناك ميل واضح لفائدة جهة الموثقين، ويتجلَّى ذلك منذ مسألة التسمية. فالعدول يمارسون مهام التوثيق منذ وُجدت المهنة، ومع ذلك يُحرَمون من صفة «عدل موثِّق»، في حين يُمنح الموثِّق العصري هذه التسمية قانونًا، وهو ما يخلق تشويشًا لدى المواطن. كما أن سحب آلية الإيداع لدى صندوق الإيداع والتدبير، التي كانت محل اتفاق صريح، يُعَد تمييزًا صارخًا يمس مبدأ تكافؤ الفرص ويخل بالتوازن داخل منظومة التوثيق.

س: المشروع سلبكم حق الإيداع ومنعكم من تسلُّم الأموال، لكنه أبقى على شهادة اللفيف دون تغيير. كيف تُفسِّرون هذا التناقض؟

ج: حق الإيداع ليس امتيازًا، بل آلية أساسية لضمان الحقوق، واستخلاص الواجبات، وتحقيق الأمن التعاقدي. وهو إجراء بسيط لا يتطلَّب مساطر معقدة ولا تكوينًا خاصًا. في المقابل، تم الإبقاء على اللفيف، الذي أصبح أكثر تعقيدًا من ذي قبل. بل إن الصيغة الجديدة للمشروع حرمت المرأة من الشهادة، وهو أمر غير مفهوم في زمن أصبحت فيه المرأة قاضية ومحامية وعدلًا وموثقة ووزيرة.

س: هل ترون أن هذا الحرمان من الإيداع يمس بحقوق المواطنين وقد يتعارض مع مبادئ الحكامة الدستورية؟

ج: بلا شك. حرمان العدول من آلية الإيداع لدى صندوق الإيداع والتدبير يُشكِّل تمييزًا صارخًا، وضربًا لمقتضيات دستورية واضحة، وعلى رأسها المادة 19 من الدستور. كما أنه يتعارض مع مبادئ الحكامة الجيدة ومنظومة الإصلاح القضائي، ويحد من ولوج فئات واسعة من المواطنين إلى خدمات التوثيق، ما يمس جوهر خدمة القرب التي يُفترض أن تؤديها مهنة العدول.

س: الوزير تحدَّث داخل البرلمان عن مطالبة العدول بمسك الأموال. كيف تردون على هذه التصريحات؟

ج: هذا ادعاء غير صحيح، بل مُغالطة للرأي العام. لم يسبق للسادة العدول أن طالبوا بمسك الأموال أو التصرُّف فيها، وإنما طالبوا فقط بآلية الإيداع كما هو منصوص عليه في المحاضر الرسمية، وعلى غرار ما يقوم به ممارسو التوثيق العصري لدى صندوق الإيداع والتدبير. وإن كان العكس، فالبَيِّنَة على مَن ادَّعى.

س: ما هي الخيارات المستقبلية للعدول في ظل هذا الوضع؟

ج: هناك توجُّه واسع داخل صفوف العدول يطالب بسحب مشروع القانون، وهو الرأي الذي أميل إليه شخصيًا، مقابل توجُّه آخر يدعو إلى خوض معركة الترافُع والإقناع داخل البرلمان للدفاع عن المطالب التي جرى سحبها من المشروع بشكل أحادي. وفي جميع الحالات، قرَّر العدول خوض أشكال احتجاجية، من بينها إضرابات غير محدودة، سيُعلَن عن توقيتها وفق ما تُقرره الهيئات المهنية.

حاولت «مغرب تايمز» الاتصال بالسيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي وديوانه لأخذ رأيه أو توضيحه، غير أن جميع المحاولات لم تُسفر عن رد. ويُشار إلى أن الوزير كان قد أكَّد، من داخل قبة البرلمان، أن وزارته اعتمدت المقاربة التشاركية في إعداد مشروع قانون تنظيم مهنة العدول، موضحًا أنها تفاوضت حصريًا مع الهيئة الوطنية للعدول باعتبارها الجهة المخوَّلة قانونًا للتمثيل. كما سجَّل أن المسار عرَف عقد عشرات الاجتماعات مع مختلف المتدخِّلين، مبرزًا أن التحفُّظ القائم يهم أساسًا مسألة تلقِّي المبالغ المالية المرتبطة بإجراءات البيع، وهي نقطة ترفضها الحكومة حرصًا على إبقاء الأموال داخل المؤسسات الائتمانية، مع استمرار الخلاف بشأنها.

المقال التالي