ولاية صامتة.. الجزائر تغادر مجلس الأمن بملفات معلقة ومواقف مثيرة للجدل

تستعد الجزائر لتسليم مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن الدولي، منهيةً ولاية استمرت عامين، تاركةً وراءها سجلاً دبلوماسياً يعكس فجوة واضحة بين خطابها السياسي الحماسي ودعمها العملي للقضايا التي تقدمها كأولويات وطنية وقارية.
وقد برز هذا التناقض جلياً خلال جلسات المجلس، حيث امتنعت الجزائر عن التصويت على قرارين أمريكيي الطابع حول ملف الصحراء، على الرغم من اعتبارها هذا الملف «قضية عدالة». وفضّلت الجزائر الصمت، بينما لجأت دول أخرى إلى أداة الامتناع كتعبير عن تحفظها.
ولم يكن هذا الموقف محض صدفة، بل يبدو جزءاً من حسابات استراتيجية هادئة، تهدف إلى الحفاظ على علاقة متوازنة مع واشنطن، وتجنب أي تصعيد قد يكلفها ثمناً دبلوماسياً أو اقتصادياً، خاصة في ظل الاعتماد المتبادل في ملفات إقليمية ساخنة.
ويمتد هذا النهج إلى قضية فلسطين، التي طالما اعتلت صدارة خطابات الجزائر الرسمية. ففي خطوة فاجأت الكثيرين، صوتت الجزائر لصالح خطة أمريكية لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، وهي الخطة التي استبعدت حركتي حماس والجهاد الإسلامي، على الرغم من دعواتهما الصريحة للجزائر بعدم دعم القرار.
ويفسر خبراء الدبلوماسية هذا التراجع في الدعم الفعلي بتراجع مطّرد في النفوذ الإقليمي للجزائر. فقد دخلت علاقاتها مع جيرانها الماليين في الساحل في نفق من الجفاء والاتهامات المتبادلة، مما أفقدها أحد أهم أدوات التأثير في محيطها الجغرافي المباشر.
كما تعاني الجزائر من تهميش متزايد داخل المحافل العربية، حيث غُيبت عن اجتماعات مهمة، مما يشير إلى تراجع ثقلها في صناعة القرار العربي الجماعي.
وعلى الجبهة الأوروبية، تبدو الأدوات الجزائرية محدودة الأثر. فالإجراءات الانتقامية التي فرضتها على إسبانيا وفرنسا رداً على مواقفهما من قضية الصحراء لم تحقق النتائج المرجوة، بل واجهت ضغوطاً من الاتحاد الأوروبي ككل للتراجع عنها.
ويُضاف إلى هذه التحديات تحول عميق في سوق الطاقة الأوروبية، حيث تسارع دول مثل إسبانيا وإيطاليا إلى تنويع مصادرها وتقليل الاعتماد على الغاز الجزائري، لصالح المصادر الأمريكية تحديداً، مما يضعف ورقة رابحة أساسية من أوراق الجزائر التفاوضية.
وعليه، تغادر الجزائر مقعد مجلس الأمن حاملةً معها إرث ولاية يبدو أنها آثرت فيه الحسابات الهادئة والمواقف المرنة على صخب الخطابات الحادة، في مؤشر ربما على تحول أوسع في بوصلة سياستها الخارجية وتكيفها مع معادلات نفوذ جديدة في الإقليم والعالم.

تعليقات