آخر الأخبار

فُتِحَ الباب أم أُغلِقَ؟ الحقيقة الكاملة وراء «استيراد الحليب المغربي» وأوروبا

أثارت أنباء متداولة عن نية إسبانيا تعويض نقص الحليب لديها بإمدادات مغربية موجةً من التساؤلات والتكهنات. وفي خضم هذا الجدل، خرجت أصوات رسمية في مدريد لتقديم رواية مختلفة تقطع الطريق على الشائعات، عبر تفسير قانوني وتنظيمي مفصل للموضوع.

وصرّحت مصادر رفيعة المستوى في وزارة الفلاحة والصيد البحري والتغذية الإسبانية، بشكل رسمي اليوم، بأن الباب المغلق أمام دخول الحليب المغربي إلى الأسواق الإسبانية ليس خياراً محلياً، بل نتيجة حتمية للوائح الاتحاد الأوروبي الصارمة. وأكدت المصادر ذاتها أن الحديث عن وجود مفاوضات أو حتى دراسات جدوى بهذا الشأن هو محض «تخمين غير دقيق»، مع التشديد على التزام إسبانيا الكامل بالقواعد المشتركة.

ويرجع السبب الجذري، وفق توضيحات الإدارة العامة للصحة الغذائية والجودة التابعة للوزارة، إلى أن المغرب غير مُدرج في «القائمة الخضراء» الرسمية للدول الثالثة المصرّح لها بتصدير حليب الأبقار ومشتقاته إلى الفضاء الأوروبي الموحّد. وتخضع هذه القائمة، التي تحددها الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية، لمعايير صحية وبيطرية بالغة الدقة والتعقيد، تشمل رقابة صارمة على المنشآت وطرق الإنتاج، وصولاً إلى صحة القطيع.

وعلى الصعيد القانوني، أوضح خبراء في الشؤون الأوروبية بالبرلمان الإسباني أن معاهدة لشبونة منحت المفوضية الأوروبية اختصاصاً حصرياً في مجال السياسة التجارية والاتحاد الجمركي. ويعني ذلك عملياً أن إسبانيا مجرّدة من أي صلاحية للتفاوض بشكل منفرد أو ثنائي مع دول خارج التكتل بشأن ملفات تجارية تندرج تحت هذه المظلة، ما يجعل أي حديث عن اتفاقية خاصة بالحليب «مخالفاً للقانون التأسيسي للاتحاد».

وتأتي هذه التوضيحات في لحظة حرجة يمر بها قطاع تربية الأبقار في إسبانيا. فبينما تُظهر أرقام اتحاد منتجي الألبان تراجعاً حاداً في عدد المزارع العائلية الصغيرة بنسبة تتجاوز 30% خلال السنوات القليلة الماضية، تسجّل أرقام الإنتاج الوطني، في تناقض صارخ، نمواً طفيفاً. ويُفسَّر هذا التناقض بسيطرة المزارع الكبرى عالية التكنولوجيا على الحصة الأكبر من الإنتاج، مقابل اختفاء متسارع للمزارع التقليدية.

ورغم هذا النمو الإجمالي، تؤكد تحليلات المجلس الوطني للألبان أن الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك المحلي ما تزال قائمة بقوة، ما يفرض استمرار الاستيراد. ومع ذلك، تشير بيانات الجمارك الإسبانية بوضوح إلى أن هذه التدفقات التجارية تأتي بالكامل تقريباً من داخل الفضاء الأوروبي، مع تراجع حاد في الواردات من خارج التكتل، في إطار استراتيجية أوروبية لتعزيز التبادل الداخلي.

وفي المشهد الأخير، تعكس سجلات التجارة الخارجية الإسبانية مع المغرب صورة واضحة ومحددة: علاقة تكميلية تقليدية، تقتني فيها المغرب أبقاراً حية ومنتجات زراعية إسبانية محددة لتلبية حاجيات سوقها المحلي. وتظل تجارة الألبان، وفق هذه المعطيات الرسمية، خارج المعادلة تماماً، محكومة بحاجزين أساسيين هما القيود الصحية الأوروبية الصارمة، والاختصاص التجاري الحصري للمفوضية الأوروبية في بروكسل.

المقال التالي