آخر الأخبار

البيجيدي يحمل الحكومة خدمة «الريع واللوبيات»

يشهد المشهد السياسي المغربي تصاعداً ملحوظاً في حدة الخطاب النقدي، حيث تتركز الانتقادات حول السياسات التشريعية للحكومة، في وقت تواجه فيه اتهامات بالتجاوب مع أجندات فئوية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية العليا.

ويثير حزب العدالة والتنمية اليوم، باعتباره قوة معارضة رئيسية، سجالاً واسعاً عبر اتهامه الحكومة بممارسة ما وصفه بـ«التشريع على المقاس» لصالح ما أسماه «لوبيات الريع». وجاء ذلك في بيان حاد اعتبر فيه الحزب أن هذا النهج يمس جوهر الثقة في المؤسسات الدستورية.

ويستند الحزب في اتهاماته إلى أمثلة عملية، أبرزها تمديد الإعفاء الضريبي والجبائي على استيراد الأبقار والجمال، إذ يرى أن قرار تمديد هذه الامتيازات إلى غاية سنة 2026، والمسموح بموجبه باستيراد 300 ألف رأس من الأبقار و10 آلاف رأس من الجمال، يخدم مصالح فاعلين محدودين بعيداً عن منطق المنافسة العادلة، ولا ينعكس بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين.

ولا يتوقف هذا الجدل عند هذا الملف فقط، بل يستحضر حزب العدالة والتنمية حالات تشريعية وتنظيمية قريبة أثارت نقاشاً مماثلاً، من بينها الإعفاءات الجمركية السابقة المرتبطة باستيراد بعض المواد الأساسية، والجدل الذي رافق دعم مهنيي النقل الطرقي، إضافة إلى النقاش البرلماني حول الامتيازات الممنوحة لبعض القطاعات الاقتصادية الكبرى، والتي اعتبر الحزب أنها صيغت بطريقة تخدم فاعلين بعينهم أكثر مما تخدم السوق الوطنية.

ويلفت البيان إلى ما وصفه بمفارقة كبيرة، تتمثل في قيام الدولة بضخ دعم مالي مباشر ومهم للقطاع نفسه الذي يستفيد من إعفاءات جمركية وضريبية، وهو ما اعتبره الحزب «تناقضاً صارخاً» يمس بمبادئ الإنصاف الضريبي، ويقوض أهداف القانون الإطار للإصلاح الجبائي الرامي إلى تبسيط وتعصير النظام الضريبي.

وفي السياق ذاته، يربط حزب العدالة والتنمية هذا النقاش بإشكال أعمق يتعلق بطريقة إعداد القوانين الاقتصادية، مشيراً إلى تكرار تمرير نصوص تشريعية دون نقاش عمومي كافٍ، أو إشراك فعلي لممثلي المجتمع والفاعلين المعنيين، كما حدث في ملفات مرتبطة بالتقاعد، والدعم الاجتماعي، وبعض القوانين المنظمة للمهن.

ويؤكد الحزب أن ترسيخ ثقة المواطن في المؤسسات يمر عبر شفافية كاملة في عملية التشريع، ووضوح صارم في المعايير التي تحكم توزيع الامتيازات وتحمل العبء الضريبي، معتبراً أن أي غموض أو تراخٍ في هذا المجال يفتح الباب أمام الشكوك ويقوض مصداقية الفعل العمومي.

وفي المقابل، تبرر الحكومة قرارات الإعفاء الضريبي بسياقها الاقتصادي العام، معتبرة أنها تهدف إلى ضمان استقرار أسعار اللحوم والحليب في السوق الوطنية، ومواجهة تقلبات الإنتاج الداخلي، خاصة في ظل توالي سنوات الجفاف وارتفاع كلفة الإنتاج، وهو ما دفعها، وفق هذا التوجه، إلى اعتماد آليات استثنائية لتأمين التزويد.

غير أن جوهر الإشكال، بحسب موقف حزب العدالة والتنمية، لا يرتبط بمبدأ الدعم في حد ذاته، بل بـ«المنهجية والشفافية»، إذ يطالب الحزب بتقديم مبررات اقتصادية واجتماعية دقيقة لكل إجراء، وإخضاعه لنقاش عمومي واسع داخل البرلمان وخارجه، بدل تمريره بطريقة يعتبرها «تفتقر إلى الوضوح».

ويحذر الحزب من أن استمرار هذا النهج التشريعي، الذي يصفه بالانتقائي وغير الشفاف، من شأنه المساس بالمصداقية السياسية للحكومة، وتقويض الأسس الاقتصادية للدولة، عبر إضعاف القدرة التنافسية، وإهدار الموارد العمومية، وخلق مناخ غير محفز على الاستثمار المنتج.

ويضع هذا السجال النقاش حول «التشريع على المقاس» في صلب التحديات الديمقراطية والتنموية التي تواجه المغرب، حيث تغدو جودة التشريع وشفافيته معياراً أساسياً لقياس قوة المؤسسات، واختباراً فعلياً لمدى قدرة السياسات العمومية على تحقيق العدالة الاجتماعية وربط المسؤولية بالمحاسبة.

المقال التالي