آخر الأخبار

البرلمان ينقسم على تعديل يمسّ «العضوية غير القابلة للتجديد»

يشهد البرلمان اليوم انقساماً حاداً وخلافاً دستورياً عميقاً بين مكوناته، بعد طرح مشروع القانون التنظيمي الذي يمسّ شروط عضوية المحكمة الدستورية، حيث يحذر الفريق من تجاوز سافر للنص الدستوري، فيما يرى الفريق الآخر أنه خطوة عملية لضمان استمرارية العمل المؤسسي وسدّ الفراغ التشريعي الواضح.

تصاعدت حدة النقاش خلال الجلسة التشريعية العمومية الأمس، التي شهدت تبادل الاتهامات بين الأغلبية والمعارضة، لينتهي الأمر بمصادقة مجلس النواب على مشروع القانون التنظيمي رقم 36.24 المتعلق بالمحكمة الدستورية، حيث حظي بموافقة 100 نائب، وقوبل برفض 40 نائباً، في تصويت يعكس حجم الفجوة في الرؤى بين الأطراف السياسية.

وانصب جوهر الخلاف القانوني والسياسي على التعديل المُدخل على المادة 14، الذي يفتح المجال أمام عضو المحكمة الدستورية الذي يتم تعيينه لاستكمال المدة المتبقية لعضو سابق، بأن يُكمل ولاية كاملة مدتها تسع سنوات، وهو ما اعتبره المعارضون خرقاً صريحاً للفصل 130 من الدستور الذي ينص بشكل قاطع على أن مدة العضوية «تسع سنوات غير قابلة للتجديد»، واعتبروه تأويلاً متعسفاً للنص.

واعتبر النائب سعيد بعزيز، عن الفريق الاشتراكي، أن الأعمال التحضيرية والمناقشات التي صاغت الدستور كانت واضحة ولا لبس فيها، مشيراً إلى أنها أكدت أن ما يسري على العضو الأصلي يسري على من يخلفه. وتساءل بعزيز عن الدوافع الحقيقية وراء فتح هذا «الهامش التشريعي» في هذا الوقت بالذات، واصفاً الخطوة بأنها «تطاول على الدستور» وترسل رسالة سلبية بوجود الكفاءات المؤهلة الكثيرة التي يمكن تعيينها دون الحاجة لمثل هذا «الالتفاف» على المفاهيم الدستورية.

بدورها، انضمت المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية إلى صف الرفض، ودعت بشكل صريح إلى حذف المادة «المثيرة للجدل»، مؤكدة في موقفها أن الفصل 130 من الدستور «واضح ولا يحتمل التأويل». وحذرت المجموعة من أن هذا التعديل «لا ينسجم مع روح القانون التنظيمي»، بل و«يمس باستقلالية القضاء الدستوري»، ويقوض مبدأ تكافؤ الفرص بين الكفاءات الوطنية، ويدخل المحكمة في الحسابات التي هي في غنى عنها.

من جهة أخرى، دافع وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، بحزم عن منطق الحكومة والتعديل المقترح، ورفض بشكل قاطع الاتهامات التي وصفت المشروع بأنه صيغ «على مقاس» شخص بعينه. وأكد وهبي أن الهدف الأساسي هو «سد الفراغ التشريعي» المحتمل وضمان «الاستقرار المؤسساتي» للمحكمة الدستورية، وهي أعلى هيئة قضائية في البلاد. وأضاف أن قرارات التعيين ذات الطبيعة السيادية «لا تخضع للطعن»، معتبراً أن «الجدل المثار حولها مبالغ فيه».

وساندت هذا التوجه النائبة زينة إدحلي، عن فريق التجمع الوطني للأحرار، حيث قدّمت سنداً قانونياً مقارناً للتعديل، مشيرة إلى أن التشريع الفرنسي، على سبيل المثال، «يسمح بإعادة تعيين عضو المحكمة الدستورية الذي عُين لإتمام مدة سلفه، إذا كانت المدة المتبقية لا تتجاوز ثلاث سنوات». وأوضحت أن إتمام المدة «لا يُعد تجديداً تلقائياً» ولا ينتهك مبدأ الاستمرارية، مؤكدة أن السلطة التقديرية في التعيين النهائي تبقى بيد الملك.

ورداً على هذه الحجج، أعرب النائب سعيد بعزيز عن أسفه العميق لأن المبررات والتماثلات المقارنة المقدمة من الحكومة، وأغلبها، في نظره، «لا تجيب عن جوهر الإشكال الدستوري المطروح». وشدد على أن صلب النقاش ليس في شرعية القرارات السيادية، التي لا يجادل فيها أحد، بل في «تقوية المؤسسات واحترام القواعد الدستورية» التي هي الضامن الحقيقي لاستقلاليتها وحيادها. وتساءل باستغراب عن المنطق الذي «يمنح عضوًا عُيّنَ لإتمام مدة قصيرة ولاية قد تمتد إلى اثنتي عشرة سنة، بينما يحرم من قضى ثلاث سنوات كاملة من ولاية جديدة».

من جانبه، أوضح عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أن الجميع يقرّ بأن الملك هو «الضامن لاحترام الدستور وتأويله»، غير أن النقاش البرلماني الحالي «ينصب حصراً على مدى احترام الفصل 130 كما هو مكتوب». وطرح بووانو تساؤلات مباشرة عن توقيت التعديل والجهة المستفيدة منه، معتبراً أن تقديم هذا المقتضى «في هذا الظرف بالذات يعزز الانطباع بكونه تشريعاً موجهاً»، مما يتعارض في نظره مع الوضوح الذي يجب أن يتسم به النص الدستوري.

يعكس هذا الجدل المحتدم، بكل تفاصيله القانونية والسياسية، الحساسية البالغة التي تحيط بالمحكمة الدستورية بوصفها حارسة الدستور وضامنة سموه، ويكشف عن التوتر القائم بين منطقين: منطق يراهن على المرونة لضمان الاستقرار المؤسساتي، ومنطق آخر يصر على التقيد الحرفي بالمقتضيات الدستورية كأساس لأي استقرار حقيقي، تاركاً الباب مفتوحاً لاستمرار هذا النقاش في الأروقة البرلمانية والمجال العام.

المقال التالي