«لا سكن وظيفي بعد التقاعد».. القضاء يرفض تحويل السكن الوظيفي إلى ملكية دائمة

في قرار يُعد سابقة قضائية فارقة، وضعت محكمة النقض حداً لحالة من اللبس القانوني دامت لسنوات، بعدما حسمت بشكل نهائي في مسألة السكن الوظيفي، مؤكدة أنه لا حق في الاستفادة منه بعد انتهاء العلاقة الوظيفية وزوال الصفة الرسمية للمستفيد.
ويؤطر هذا الحكم الحاسم الطبيعة القانونية للسكن الوظيفي باعتباره «مرفقاً مؤقتاً» مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بعلاقة العمل، وليس «حقاً مكتسباً أو ملكية شخصية»، وهو ما يعني أن انتهاء سبب منحه يُسقط تلقائياً أي سند قانوني للاستمرار في شغله.
وأوضحت المحكمة أن مواصلة شغل المسكن الوظيفي بعد التقاعد أو الإعفاء أو إنهاء المهام الرسمية تُعد «احتلالاً بغير حق»، وتشكل اعتداءً مادياً صريحاً على أملاك الدولة أو الجهة الإدارية المالكة.
وبناءً على هذا التصور، أكدت محكمة النقض أن دعاوى الإفراغ في مثل هذه الحالات تندرج ضمن «الاختصاص الاستعجالي»، إذ يكتفي القاضي بالتحقق من زوال الصفة الوظيفية لإصدار أمر الإفراغ، دون الحاجة إلى الخوض في جوهر النزاع أو تفاصيل إضافية.
وردّاً على دفوع بعض المستفيدين السابقين، شددت المحكمة على أن الاقتطاعات المحتملة من المعاش «لا تعيد تشكيل العلاقة القانونية»، معتبرة أنها مجرد مقابل مادي مؤقت، ولا ترقى إلى مستوى عقد كراء أو سند ملكية يبرر الاستمرار في شغل السكن.
ويشكل هذا التفسير القضائي ضمانة مهمة للإدارة، إذ يوفر لها آلية قانونية سريعة وحاسمة لاسترجاع الممتلكات الوظيفية، ويحول دون تحويلها إلى مساكن دائمة عبر التذرع بطول مدة الاستغلال أو بتغير الظروف الشخصية.
ومن جهة أخرى، يضع الحكم حاجزاً قانونياً أمام محاولات خلق أوضاع هجينة أو الالتفاف على القوانين المنظمة لأملاك الدولة، معززاً مبدأ تغليب المصلحة العامة على المنفعة الفردية فور زوال المبرر الرسمي للامتياز.
ويرى متابعون أن هذا القرار سيساهم في تقليص النزاعات القضائية المطولة، ويوفر وضوحاً قانونياً للأطراف المعنية، بما يسهل تدبير ملفات السكن الوظيفي عند انتهاء الخدمة أو المهام.
وبهذا التوجه، تكرس محكمة النقض مفهوماً أساسياً مفاده أن الامتيازات الوظيفية، ومن ضمنها السكن، تُمنح حصرياً لخدمة المصلحة العامة وضمان حسن أداء المهام، ولا يمكن اعتبارها مكافآت شخصية قابلة للاستمرار بعد زوال الغاية التي أُنشئت من أجلها.
ويبعث هذا الحكم برسالة واضحة بضرورة التقيد الصارم بالضوابط القانونية المؤطرة لاستعمال المرافق العمومية، ويعيد ترتيب الأولويات بما يحفظ حقوق الدولة ويضمن استعمالاً عادلاً ومنظماً للسكن الوظيفي وفق الغاية المحددة له.

تعليقات