آخر الأخبار

بعد الخطاب الختامي لأخنوش «مسار الإنجازات»: أين هي الإنجازات؟

يُمثِّل الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة عزيز أخنوش في طنجة مساء الأحد، في ختام الحملة التواصلية «مسار الإنجازات»، لحظة تكشف الهوة العميقة بين السردية الرسمية المُعلنة وبين الحقائق اليومية التي يعيشها المواطنون. ويمكن تفكيك هذا الفصل بين الخطاب والواقع باستخدام تحليل بيير بورديو للعنف الرمزي، حيث تُستخدم لغة الأرقام والمؤشرات الكلية كوسيلة لفرض رؤية رسمية منفصلة عن التجربة الحية والمعاناة اليومية للناس.

ولا يمكن إنكار الجهد الإحصائي في الخطاب الذي استعرض مؤشرات اقتصادية كلية، لكن هذه الأرقام تتحول إلى أداة لتجميل الواقع عندما تُقدَّم بمعزل عن سياقها الاجتماعي. إنها تُذكرنا بأن الإحصاءات يمكن أن تكون وسيلة لتشكيل صورة بعيدة عن الواقع المعيش، حيث تصبح ستاراً يحجب الإخفاقات البنيوية في ملفات التشغيل والصحة العمومية والتعليم، مما يخلق واقعاً موازياً لا يعكس حقيقة الأزمة المعيشية.

واللافت في هذا الخطاب هو تحويل «التبرير» إلى منهجية ثابتة، حيث تُحمَّل الظروف الخارجية مسؤولية الإخفاقات المحلية، فيما يتم تجاهل الدور الحاسم للسياسات الداخلية. هذا المنطق يُعيد إنتاج أطروحة تعقيد الأزمات، لكنه يستخدمها هنا ليس لفهم التشابك الحقيقي بين العوامل المختلفة، بل كذريعة لتفادي المحاسبة على القرارات المحلية والاختيارات الاقتصادية.

أما في الشق الاجتماعي، فالتركيز على برنامج «أمو تضامن» كمحور أساسي يكشف عن رؤية اختزالية لمفهوم الدولة الاجتماعية. هذا المنهج ينسف فكرة المثقف العضوي، حيث يفترض انخراط النخبة السياسية في هموم المجتمع، لتحل محله مقاربة تقنية تتعامل مع المواطن كمتلقٍ سلبي للمساعدات بدلاً من شريك فاعل في التنمية.

وتكمُن المفارقة الكبرى في أن حملة «الإنجازات» تتحول في خطابها الختامي إلى دفاع عن السياسات القائمة، بدلاً من أن تكون محاسبة موضوعية. هذا يُجسد ما حذرت منه حنة آرنت في حديثها عن «ابتذال الشر»، حيث تصبح الممارسات البيروقراطية الروتينية غطاءً لاستمرار الأخطاء دون مراجعة نقدية حقيقية أو مساءلة فعلية.

ويُظهر الخطاب تناقضاً بين الاعتراف الشكلي بوجود اختلالات والتردد في تقديم حلول جذرية. هذا التناقض يعكس أزمة الشرعية التي تحدث عنها يورغن هابرماس في نظريته عن الفضاء العمومي، عندما يتحول الخطاب السياسي من وسيلة للتفاهم والتواصل إلى مجرد أداة للتبرير الذاتي.

والخطير في هذه السردية هو محاولة اختزال النجاح السياسي في أرقام اقتصادية كلية، بينما يُقاس رضا المواطن بمعايير يومية بسيطة. هذه الفجوة بين المؤشرات الكلية والمعيش اليومي تخلق شرخاً في الثقة بين الحكام والمحكومين، حيث تتراجع مصداقية الخطاب الرسمي مع كل مؤشر اقتصادي لا يترجم إلى تحسن ملموس في الحياة اليومية.

كما يُلاحظ أن الخطاب افتقر إلى أي إشارة نقدية ذاتية جريئة، مما يعزز الانطباع بأن الحساب السياسي يفوق مصلحة المواطن. هذا يتوافق مع تحليل ميشيل فوكو لآليات السلطة الحديثة التي تفضل الخطابات التبريرية على الحوار النقدي، وتستخدم البيانات كأداة للسيطرة الرمزية بدلاً من كونها وسيلة للشفافية والمحاسبة.

وبالتالي، فإن السؤال الذي يفرض نفسه ليس فقط عن غياب الإنجازات الملموسة، بل عن مصداقية الخطاب السياسي نفسه. وكما أوضحت المهمة النقدية، فإن الهدف ليس فقط تفسير العالم بل تغييره، وهذا ما يفتقده الخطاب الختامي الذي اكتفى بالتفسير والتبرير دون رؤية واضحة للتغيير المطلوب.

فلا يكفي أن تتحدث الحكومة عن إنجازات افتراضية بينما تتراجع ثقة المواطن في المؤسسات. فالمقياس الحقيقي للإنجاز، كما يؤكد بورديو، يكمن في مدى قدرة السياسات على تحويل المكتسبات النظرية إلى مكاسب مادية ورمزية حقيقية يشعر بها جميع أفراد المجتمع، وليس فقط في تراكم المؤشرات الاقتصادية المجردة التي تبقى حبيسة التقارير الرسمية.

المقال التالي