آخر الأخبار

ما وراء أطنان الحطب وآليات الثلوج.. خريطة تدخل 28 عمالة تُشخِّص هشاشة «مغرب المرتفعات»

يبدو أنها تحولت اليوم التعبئة الحكومية الشتوية إلى مقياسٍ مزدوج: قياس للجهود الإغاثية اللوجستية من جهة، ومسح صارخ لهشاشة البنية التحتية والخدماتية من جهة أخرى. فمع إعلان تنفيذ خطة واسعة يوم الجمعة الماضي، برزت أرقام تكشف أن مواجهة البرد تمر عبر 28 عمالة وإقليماً، وتستهدف 2018 دواراً ومنطقة نائية.

تتجاوز هذه الأرقام وصف التدخل لتَرسم جغرافيا دقيقة للخطر. فالبيانات الرسمية تكشف أن أكثر من 73% من المناطق المعنية تقع على ارتفاعات تتراوح بين 1500 و2500 متر، في مجالات تصبح فيها الطريق الواحدة شريان حياة ينقطع مع أول عاصفة ثلجية، محوِّلاً البرد إلى تهديد وجودي يُشلّ الحركة ويعزل المجتمعات.

وفي مواجهة هذه العزلة المتوقعة، تتخذ التعبئة طابعاً اجتماعياً واضحاً يستهدف الفئات الأكثر هشاشة. إذ تركز الخطة على حماية 665 شخصاً بلا مأوى، و2790 امرأة حاملاً، و18722 مسناً، في اعتراف صريح بأن قسوة الطقس تضاعف من حدة الهشاشة القائمة في السكن والصحة والطاقة، محوِّلة التحديات اليومية إلى أزمات طارئة.

يُترجم هذا الاستهداف الاجتماعي إلى إجراءات ملموسة على الأرض، حيث جرى توزيع 4540 طناً من حطب التدفئة وتوفير 10421 فرناً محسناً. غير أن هذه المساعدات، على ضرورتها، تظل حلولاً مؤقتة تسلط الضوء على إشكالية «الفقر الطاقي» المزمن في مناطق تندر فيها بدائل التدفئة الآمنة والمستدامة.

على المستوى اللوجستي، تمثل إزالة الثلوج خط الدفاع الأول لضمان استمرارية الحياة. فقد جرى تعبئة 1024 آلية ووضعها بشكل استباقي عند الممرات الطرقية الأكثر عرضة للانقطاع، في محاولة للحفاظ على الشرايين الحيوية مفتوحة أمام سيارات الإسعاف وشاحنات التموين.

ويُنسق هذا الجهد الواسع من خلال هيكل حوكمي مركزي يشمل «مركز قيادة ويقظة» ولجاناً إقليمية للتتبع، ضمن الخطة الوطنية للموسم الشتوي الحالي. ويهدف هذا التنظيم المعقد إلى جعل الاستجابة أسرع من تقلبات الطقس، لكنه يكشف أيضاً حجم التحدي الذي يتطلب جهازاً إدارياً خاصاً لإدارة تفاصيل الحياة اليومية في هذه المناطق.

ورغم ضخامة هذا الجهاز، يرى محللون أن التكرار السنوي لهذا المشهد يدل على خلل بنيوي أعمق. فحسب الخبير عصام بيزريكن، تحولت مناطق مثل آيت بوكماز وزاوية أحنصال إلى نموذج متكرر، حيث «يبدأ العد العكسي للخدمات» بمجرد إغلاق الطرق، ما يحول التعبئة إلى «سباق متأخر مع التضاريس».

وتكشف هذه الديناميكية عن مفارقة أساسية: فالدولة تتحرك بآليات ضخمة وخطط طوارئ معقدة لمواجهة أزمة متوقعة في مناطق يعرف سكانها أنها ستُعزل كل شتاء. وهو ما يطرح سؤالاً حول جدوى توجيه موارد هائلة نحو الاستجابة الطارئة، دون استثمار مماثل في حلول دائمة تحول دون تحوّل العزلة إلى قدر سنوي.

من هذا المنظور، تتحول أرقام التعبئة من مؤشر على الجاهزية إلى مرآة تعكس عمق التحدي في «المغرب غير المتكافئ»، حيث يبقى الهامش الجبلي رهيناً لمنطق الإغاثة الموسمية. فاستمرار اعتماد آلاف الدواوير على شاحنات الحطب وآليات كَسح الثلوج يشكل اعترافاً ضمنياً بقصور سياسات الربط والتنمية عن تحسين شروط العيش الأساسية.

يظل النجاح الحقيقي للخطة الحالية غير قابل للقياس فقط بعدد الأطنان الموزعة أو الطرق المفتوحة، بل بمدى قدرتها على تحفيز نقلة نوعية في التفكير العمومي. فحماية المواطن في مرتفعات المغرب تقتضي الانتقال من «إدارة الطوارئ» إلى «إنهاء الاستثناء»، عبر تحويل دروس كل شتاء قاسٍ إلى استثمارات استراتيجية في الطرق البديلة، والخدمات الصحية القريبة، والسكن الملائم، بما يجعل الصمود أمام البرد حقاً مضموناً لا استجابة موسمية.

المقال التالي