استطلاع يكشف: 56% من شباب المغرب يحملون مؤهلاً عالياً.. فلماذا يفكر 43% منهم في الهجرة؟

في قلب شمال إفريقيا، يسلّط استطلاع رأي حديث الضوء على مفارقة عميقة في مسار التنمية بالمغرب. فبينما يحقق الشباب مستويات تعليمية غير مسبوقة، يظل شبح الهجرة حاضراً في أفق نسبة واسعة منهم، بما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل الكفاءات الوطنية.
وكشف التقرير الصادر عن معهد «أفروباروميتر» للأبحاث أن 56% من المغاربة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة يتوفرون على مؤهلات تعليمية متقدمة، وهو ما يضع المغرب في موقع متقدم على الصعيد الإفريقي، باعتباره من بين دولتين فقط في القارة تتجاوز فيهما نسبة التعليم العالي وسط الشباب عتبة النصف.
ولا يقتصر هذا التفوق على البعد الكمي، بل يمتد إلى الجودة والنفاذ العادل، إذ سجل التقرير شبه مساواة كاملة بين الجنسين في فرص الولوج إلى التعليم الجامعي، وهو مؤشر يعكس ثمار سياسات عمومية راهنت خلال العقود الماضية على تعميم التعليم وتحسين مستواه.
غير أن هذه الصورة الإيجابية تبدأ في التراجع عند الانتقال إلى سوق الشغل وآفاق المستقبل، حيث أظهر الاستطلاع نفسه أن 43% من الشباب المغربي فكروا بجدية في الهجرة نحو بلدان أخرى. وتعكس هذه النسبة المرتفعة حالة قلق متزايدة لدى فئة واسعة من الشباب الأعلى تعليماً.
وقد يفسَّر جزء من هذه المفارقة باتساع فجوة المشاركة السياسية، إذ أبان الاستطلاع أن 27% فقط من الشباب أدلوا بأصواتهم في آخر انتخابات وطنية، ما يشير إلى نوع من العزوف أو فقدان الثقة في آليات العمل السياسي التقليدي.
وفي المقابل، يسجل الشباب المغربي حضوراً ملحوظاً في قنوات التعبير غير الكلاسيكية، حيث شارك 12% منهم في أشكال احتجاجية خلال السنة الماضية، فيما عبّر 18% عن مواقف سياسية واجتماعية عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهو تحول يفرض إعادة التفكير في سبل التواصل المؤسساتي مع هذه الفئة.
وعلى المستوى الإفريقي المقارن، تبقى نسبة الراغبين في الهجرة من الشباب المغربي أقل من المتوسط القاري البالغ 54%، ما يوحي بأن الظاهرة ذات طابع إقليمي واسع، رغم ما يميز السياق الوطني من خصوصيات اقتصادية واجتماعية.
ويبرز التقرير أن الشباب الإفريقي عموماً، والمغربي على وجه الخصوص، يعبّر عن دعم واضح للنظم الديمقراطية، مقابل شعور متنامٍ بعجزها عن الاستجابة لطموحاته الاقتصادية. هذا التباين بين القناعة والممارسة يغذي منسوب الإحباط ويعزز نزعة البحث عن آفاق بديلة.
ويخلص الاستطلاع، الذي شمل 38 دولة إفريقية بهامش خطأ يتراوح بين 2 و3%، إلى أن استقطاب الكفاءات الشابة وتوفير فرص منسجمة مع تطلعاتها أضحى تحدياً مركزياً يهم المغرب وباقي بلدان القارة، في ظل رهانات تنموية متسارعة.
وتكشف هذه المعطيات عن ضرورة اعتماد سياسات أكثر تكاملاً، لا تكتفي بالاستثمار في التعليم، بل تمتد إلى بناء منظومة اقتصادية واجتماعية قادرة على تثمين الرأسمال البشري داخل الوطن، بدل فقدانه لصالح وجهات أخرى.

تعليقات