خبير يكشف لـ«مغرب تايمز» الأسباب الخفية وراء انخفاض أسعار المحروقات عالمياً وارتفاعها بالمغرب

تشهد الأسواق العالمية للمحروقات اليوم الخميس تراجعاً ملحوظاً في الأسعار، مدفوعاً بعوامل جيوسياسية واقتصادية كبرى، في تناقض صارخ مع وتيرة الانخفاضات الطفيفة والمتقطعة التي تصل، أخيراً، إلى مضخات الوقود في المغرب. هذا التفاوت المستمر لا يثير الاستغراب فحسب، بل يطرح تساؤلات جوهرية حول الآليات المعقدة التي تحكم انتقال تأثيرات السوق الدولية إلى المستهلك المحلي، وكفاءة المنظومة برمتها في استيعاب صدمات الأسعار الإيجابية.
وفي تحليل حصري ومتعمق لـ«مغرب تايمز»، يُرجع الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية، هذا التفاوت إلى أسباب هيكلية عميقة تتشابك فيها العوامل الاقتصادية مع القرارات السياسية والإدارية. ويؤكد أن منظومة المحروقات في المغرب، كما هي قائمة اليوم، تعاني إشكاليات بنيوية مزمنة تجعلها أقل استجابة لمؤشرات الانخفاض العالمي، وأكثر بطئاً في نقل فوائدها إلى المواطن.
ويشير اليماني إلى أن حجر الزاوية في هذه المعضلة يكمن في هيكل السوق ذاته، الذي يتميز بدرجة عالية من التركيز وغياب المنافسة الفعلية بين عدد محدود من الفاعلين. هذا الوضع شبه الاحتكاري، بحسب تفسيره، يسمح بوجود هوامش أرباح مرتفعة ومستقرة نسبياً، تُدار بعقلية تفضّل الحفاظ على معدلات الربحية على حساب مرونة الأسعار. وبالتالي، لا تتقلص هذه الهوامش بالضرورة، أو بالسرعة الكافية، عندما تتناقص تكلفة الشراء الدولية، ما يُضعف بشكل جوهري آلية انتقال الانخفاض بالكامل إلى المستهلك النهائي.
ويضيف أن السبب الثاني، والأكثر إيلاماً من الناحية الاستراتيجية برأيه، يتمثل في النموذج المعتمد القائم على الاستيراد المباشر للمحروقات المكررة الجاهزة للاستهلاك. هذا الخيار يحرم البلاد من المزايا الجوهرية لتكرير النفط الخام محلياً، خاصة في النوافذ التي تشهد انخفاضات حادة في أسعاره العالمية. فبدلاً من شراء البرميل بسعر منخفض وتكريره محلياً لخلق قيمة مضافة وتوفير فرص عمل، تلتزم البلاد بشراء المنتج النهائي الأعلى سعراً، ما يضيع فرصاً اقتصادية كبرى ويجعل السعر النهائي رهيناً بإرادة الموردين الدوليين.
ويتطرق الخبير إلى الإشكال العميق المرتبط بغياب مخزون استراتيجي حقيقي وفعال ذي قدرة عالية على استيعاب الصدمات. ويوضح أن عدم امتلاك قدرة تخزينية كافية للنفط الخام والمنتجات المكررة يحرم الدولة من إحدى أهم أدوات السياسة الطاقية، والمتمثلة في الشراء بكميات كبيرة خلال فترات الهبوط الحاد لبناء مخزون يكفي لفترات طويلة. هذا الوضع، كما يصفه، يُبقي البلاد رهينة للتقلبات اليومية وأسعار الشراء الآنية، ويقوض أي توجه نحو سياسة طاقية استباقية أو تسعير مستقر على المدى المتوسط.
كما يلفت اليماني الانتباه إلى عامل اللوجستيات والتوزيع الداخلي، حيث تشكل تكاليف النقل البحري والبري، والتخزين، والضرائب والرسوم المحلية، حصة ثابتة وكبيرة من السعر النهائي المعروض على المستهلك. هذه المكونات «الصلبة»، كما يسميها، لا تتأثر بالانخفاض الدولي لسعر البرميل، بل قد ترتفع مع الوقت بفعل التضخم وتزايد تكاليف التشغيل، ما يشكل حاجزاً بنيوياً يعيق أي انخفاض ملموس في الأسعار، حتى مع هبوط سعر المادة الخام عالمياً إلى مستويات متدنية.
ويبرز الخبير إشكالية سياسية وإدارية بالغة الحساسية تتعلق بآلية تحديد الأسعار المحلية ومستوى شفافيتها. ويشير إلى أن الصيغة الحالية، رغم ادعائها الارتباط بالسوق الدولية، تظل محاطة بهوامش تقديرية وفترات زمنية تُخفف من حدة وسرعة الانتقال. ويتساءل: «أين هي المراجعات الأسبوعية أو النصف شهرية الحقيقية التي تعكس تقلبات السوق فوراً؟ أليست هذه التأخيرات المتراكمة تكلف المواطن مبالغ طائلة على مدار السنة؟»
ويتناول أيضاً، وبلهجة حادة، موضوع الالتزامات القانونية لشركات التوزيع في ما يتعلق بالمخزون الاستراتيجي الإلزامي. ويؤكد أنه، رغم وجود نصوص قانونية تلزم هذه الشركات باحتياطيات محددة، فإن التطبيق العملي يكشف عن ضعف واضح في الرقابة والتنفيذ. كثير من منشآت التخزين، بحسب وصفه، ليست سوى «ديكور إداري» أو شبه فارغة، فيما تُسوَّق قدرات تخزينية نظرية على الورق فقط، ما يزيد من هشاشة المنظومة في أوقات الأزمات ويقلص قدرتها على استغلال الفرص السوقية المواتية.
وفي نقطة محورية، يربط اليماني مجمل هذه الإشكاليات بما يسميه «الغياب الاستراتيجي الأكبر»، والمتمثل في تعطيل مصفاة التكرير الوطنية بسيدي قاسم. هذا التعطيل، أو غياب قرار واضح بإعادة تشغيلها، يحرم الاقتصاد الوطني من رافعة صناعية وسيادية بالغة الأهمية. فالمصفاة ليست مجرد منشأة صناعية، بل أداة لتحقيق السيادة الطاقية، تتيح خلق سلسلة قيمة محلية، وتمنح مرونة في اختيار أنواع النفط الخام الأقل كلفة، وتقلص التبعية للخارج، إلى جانب توفير فرص عمل تقنية عالية القيمة.
ويشدد اليماني على أن الحلول الترقيعية والتخفيضات الظرفية لا يمكنها معالجة جوهر المعضلة. ويؤكد أن المخرج الحقيقي يمر عبر تبني سياسة طاقية وطنية شجاعة واستباقية، تُعيد تشغيل مصفاة التكرير، وتفرض رقابة صارمة على احترام المخزون الاستراتيجي، وتُعيد هيكلة سوق التوزيع بما يعزز المنافسة الفعلية، وتعتمد آلية تسعير أكثر شفافية وسرعة. وحدها هذه المقاربة الشاملة، برأيه، قادرة على تحويل المغرب من متلقٍ سلبي لتقلبات السوق العالمية إلى فاعل قادر على تأمين أسعار أكثر عدالة واستقراراً، وبناء أمن طاقي حقيقي على المدى البعيد.

تعليقات