آخر الأخبار

المغرب يصنع المستحيل.. «ليكيب» تكشف أسرار التحول الكروي قبل أيام من «الكان»

قدّمت صحيفة «ليكيب» الفرنسية، في عددها الصادر اليوم الخميس، تحليلاً معمقاً للتحول الكبير الذي تشهده كرة القدم المغربية، مبرزة كيف تحوّلت المملكة إلى نموذج كروي صاعد قبل أيام قليلة من افتتاح كأس الأمم الأفريقية. وأكد التقرير أن هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة رؤية استراتيجية متكاملة انطلقت قبل سنوات، وتُوّجت بإحداث مجمع محمد السادس لكرة القدم سنة 2019، وهو الصرح الذي وصفه وليد الركراكي، مدرب المنتخب الوطني، بأنه «يضاهي أفضل المراكز العالمية».

وأشار التقرير إلى أن هذا المجمع، الذي بلغت كلفته نحو 60 مليون يورو، يشكل قلب الثورة الكروية المغربية، إذ يمتد على مساحة تناهز 35 هكتاراً من المرافق الحديثة. وتضم هذه المنشأة العالمية، التي تُعرف بـ«الكليرفونتين المغربي»، ملاعب متعددة الأسطح، ومسبحاً أولمبياً، إلى جانب مركز طبي متكامل تشرف عليه نخبة من الأطباء الدوليين، بقيادة الدكتور كريستوف بودو، الطبيب السابق لنادي باريس سان جيرمان.

وسلّط التحقيق الصحفي الضوء على البعد التكويني في الاستراتيجية المغربية، مؤكداً أن أكاديميات محمد السادس المنتشرة في مختلف ربوع المملكة تشكل العمود الفقري لهذه النهضة. ونجحت هذه الأكاديميات، التي أُحدثت قبل 15 عاماً، في تخريج جيل من اللاعبين بصموا على حضور لافت في كأس العالم، مع العمل في الوقت نفسه على بناء قاعدة محلية واسعة تُقلّص مستقبلاً الاعتماد على المواهب ثنائية الجنسية.

وتطرقت الورقة الصحفية إلى الجانب الاجتماعي لهذا التحول، حيث أبرزت أن كرة القدم النسائية في المغرب عرفت قفزة نوعية غير مسبوقة، بعدما ارتفعت ميزانيتها من 6 ملايين إلى 60 مليون يورو، ما مكّن الجامعة من تغطية رواتب اللاعبات داخل الأندية. وأسهم هذا التطور في تغيير النظرة المجتمعية، وشجّع عدداً متزايداً من العائلات المغربية على دعم بناتها لممارسة كرة القدم بشكل احترافي.

وبيّن التحليل أن هذه الاستثمارات الضخمة بدأت تعطي نتائج ملموسة على أرض الميدان، من خلال سلسلة إنجازات بارزة، من بينها بلوغ نصف نهائي كأس العالم 2022، وإحراز الميدالية البرونزية في أولمبياد باريس 2024، إضافة إلى تتويج منتخب الفتيان بلقب كأس العالم لأقل من 20 سنة. وتعكس هذه الحصيلة نجاعة السياسة الشاملة التي تعتمدها المملكة في تطوير مختلف الفئات العمرية.

كما كشف التقرير عن تحول عميق يشهده قطاع الأندية الوطنية، مع الانتقال التدريجي من منطق الجمعيات إلى نموذج الشركات الرياضية المهنية. ويبرز في هذا السياق دخول مستثمرين كبار، من بينهم مجموعة «مارسا ماروك» التي استحوذت على 60 في المائة من أسهم نادي الرجاء البيضاوي، إلى جانب مساهمة المكتب الشريف للفوسفات في تدبير مراكز التكوين التابعة للجامعة، بما يعكس تنامي اهتمام القطاع الخاص المغربي بكرة القدم.

وأبرز التحقيق البعد الإقليمي والدولي للمشروع الكروي المغربي، مشيراً إلى أن المملكة تتبنى مقاربة «جنوب–جنوب» تقوم على تقاسم خبراتها وتقديم دعم تقني مجاني لعدد من الدول الأفريقية في مجال تطوير البنيات التحتية الرياضية، مقابل تعزيز حضورها الاقتصادي داخل القارة عبر شبكات البنوك وشركات التأمين والاستثمارات الصناعية.

ولفتت الصحيفة إلى تنامي الاعتراف الدولي بهذا النموذج، بعدما اختارت الفيفا مدينة سلا مقراً لمكتبها الأفريقي، في خطوة تُعد دليلاً على المكانة المتصاعدة للمغرب داخل المشهد الكروي القاري. ويأتي هذا الاختيار في سياق مسار دبلوماسي رياضي تعزز عبر اتفاقيات إعفاء من التأشيرات مع دول أفريقية، ومشاريع مشتركة في مجال البنية التحتية.

ويستعد المغرب لاحتضان «الكان» وهو يحمل أكثر من طموح التتويج، إذ يقدم نموذجاً تنموياً متكاملاً يبرز قدرة الإرادة السياسية، حين تقترن بتخطيط علمي محكم، على صياغة معادلة تجمع بين النجاح الرياضي، والتقدم الاجتماعي، والتموقع الاستراتيجي داخل القارة الأفريقية.

المقال التالي