آخر الأخبار

شيخوخة متسارعة للسكان تضع المنظومة الصحية بالمغرب أمام تحديات كبرى

يشهد المغرب تحولا ديمغرافيا متسارعا، عنوانه الأبرز الارتفاع غير المسبوق في عدد الأشخاص المسنين، وهو تحول يضع المنظومة الصحية والاجتماعية أمام اختبارات حقيقية خلال السنوات المقبلة؛ فقد تجاوز عدد المسنين، خلال سنة 2024، خمسة ملايين شخص، أي ما يعادل 14 في المائة من مجموع السكان، بعد أن كان لا يتعدى ثلاثة ملايين و168 ألفا قبل عشر سنوات فقط.

وتشير معطيات رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط إلى أن وتيرة الشيخوخة السكانية عرفت تسارعا لافتا خلال العشرية الأخيرة، حيث ارتفع عدد المسنين بنسبة 58.7 في المائة، مقارنة بـ33.3 في المائة خلال الفترة الممتدة بين 2004 و2014؛ هذا التطور يعكس دخول المغرب مرحلة متقدمة من التحول الديمغرافي، بفعل تراجع مستمر في معدل الخصوبة وارتفاع ملحوظ في متوسط العمر المتوقع.

وأوضحت المندوبية أن معدل الخصوبة انخفض بشكل حاد، منتقلا من 7.2 أطفال لكل امرأة إلى أقل من طفلين، في وقت ارتفع فيه الأمل في الحياة إلى 77.2 سنة. وهي مؤشرات تؤكد أن فئة المسنين مرشحة لمزيد من التوسع، إذ من المرتقب أن تمثل حوالي 22.9 في المائة من مجموع السكان في أفق سنة 2050.

هذا التحول الديمغرافي المتسارع يفرض، وفق المندوبية، تعزيز آليات الحماية الاجتماعية وتطوير العرض الصحي، خاصة أن واحدا من كل خمسة مسنين يعاني من أحد أشكال الإعاقة. كما تكشف المعطيات أن أكثر من 30 في المائة من المسنين لا يتوفرون على أي تأمين صحي، مع تسجيل نسب أعلى في صفوف النساء البالغات 60 سنة فما فوق.

وعلى مستوى الولوج إلى العلاج، تشير الأرقام إلى اعتماد واسع على المؤسسات الاستشفائية العمومية، حيث يقصدها أزيد من 61 في المائة من المسنين، مقابل أقل من الثلث يلجؤون إلى المصحات والعيادات الخاصة. كما تبرز فوارق مجالية واضحة، إذ يظل جزء من المسنين، خاصة في الوسط القروي، محرومين من العلاج مقارنة بنظرائهم في المدن.

ولا تقتصر تداعيات شيخوخة السكان على الجانب الصحي والاجتماعي فقط، بل تمتد لتشمل الاقتصاد الوطني على المدى المتوسط والبعيد. فارتفاع عدد المسنين ينذر بصعوبات متزايدة ستواجهها صناديق التقاعد، إلى جانب الضغط المتنامي على النظام الصحي، الذي سيكون مطالبا بالتعامل مع أمراض الشيخوخة ذات الكلفة العالية، إضافة إلى الأمراض المزمنة.

وتفيد المعطيات بأن نسبة انتشار الأمراض المزمنة في صفوف المسنين لا تقل حاليا عن 64.4 في المائة، أي ما يقارب مليونين و700 ألف شخص، مع توقع ارتفاع هذا الرقم إلى نحو ثلاثة ملايين و900 ألف مسن في أفق 2030، إذا استمر المعدل نفسه. كما تؤدي الشيخوخة إلى ارتفاع عدد الأشخاص المعرضين للعجز الوظيفي، المرتبط بصعوبات أداء أنشطة الحياة اليومية.

أمام هذه المؤشرات، يجد المغرب نفسه مطالبا بإعادة التفكير في سياساته العمومية المرتبطة بالصحة والحماية الاجتماعية والتقاعد، بما يضمن كرامة هذه الفئة ويحقق توازنا اجتماعيا واقتصاديا في ظل مجتمع يتقدم في السن بوتيرة متسارعة.

المقال التالي