هكذا فضحت الأمطار الأخيرة فشل الحكومة في تأهيل البنيات التحتية وتدبير الكوارث الطبيعية

في مشهد يعكس كلفة الإهمال وتداعيات ضعف الجاهزية، عادت التساقطات المطرية القوية لتكشف هشاشة البنيات التحتية في عدد من المدن المغربية، مخلفةً ضحايا وخسائر بشرية ومادية، ومجددةً النقاش حول مسؤولية السياسات العمومية في حماية الأرواح والممتلكات، في وقت باتت فيه الظواهر المناخية القاسية أكثر تواترا وحدة.
وفي هذا السياق، فارق حارس مدرسة الحياة، اليوم، بالدار البيضاء، بعدما انهار عليه سور إحدى المؤسسات التعليمية، متأثرا بجروح بليغة، جراء التساقطات المطرية التي شهدتها المدينة ليلة الاثنين–الثلاثاء. الحادثة، التي خلفت صدمة في صفوف الأطر التربوية والساكنة، أعادت إلى الواجهة سؤال صيانة المرافق العمومية، ومدى مراقبة سلامة البنيات داخل المؤسسات التعليمية، خاصة خلال فترات التقلبات الجوية.
ولم تكن هذه الفاجعة معزولة، إذ واصلت تداعيات السيول الجارفة التي ضربت عددا من المناطق، وعلى رأسها إقليم آسفي، -واصلت- الظهور منذ يوم الاحد الماضي، حيث سبق للسلطات ان اعلنت ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 37 قتيلا، مع تسجيل إصابات متفاوتة الخطورة، استدعت إخضاع المصابين للعلاجات بالمستشفى الإقليمي، فيما واصلت السلطات والوقاية المدنية عمليات البحث والتمشيط وتقديم المساعدة للمتضررين.
ودفعت خطورة الحصيلة الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بآسفي إلى فتح بحث قضائي للكشف عن الأسباب الحقيقية للفاجعة، في وقت تتجه فيه أصابع الاتهام نحو التقصير في إجراءات الوقاية، سواء المرتبطة بالتنبؤ المبكر، أو بصيانة قنوات تصريف المياه، أو بالاستعداد القبلي لمواجهة الفيضانات.
وامتدت آثار التساقطات غير المسبوقة إلى مناطق أخرى، من بينها إقليم تنغير، حيث تسببت سيول وادي فزو في غرق سيارة رباعية الدفع، ما أدى إلى مصرع سائقها، بينما استمرت عمليات البحث عن مرافقيه وسط ظروف مناخية صعبة، في حادث يعكس خطورة المجازفة بعبور الأودية في غياب تجهيزات الحماية والإغلاق الوقائي للمقاطع الخطرة.
وتعيد هذه الأحداث، مرة أخرى، تسليط الضوء على الطابع المزمن لكوارث الفيضانات بالمغرب، التي تتكرر كل شتاء تقريبا، دون أن تواكبها إجراءات وقائية حقيقية بحجم المخاطر. فرغم التحذيرات المتكررة، لا تزال العديد من المدن تخضع لمخططات تعمير لا تراعي الطبيعة الجغرافية ومسارات الأودية، حيث شُيدت أحياء كاملة في مجاري السيول أو بمحاذاتها، ما يجعلها أولى ضحايا التساقطات الاستثنائية.
ويبرز غياب نظام إنذار مبكر فعال كأحد أوجه القصور الكبرى، إذ يُفاجأ المواطنون بالسيول دون إشعار مسبق يمكنهم من اتخاذ تدابير السلامة، فيما تعاني المدن العتيقة من شبكات صرف مهترئة وأزقة ضيقة تعيق تدخل فرق الإنقاذ، بينما تظل المناطق القروية والجبلية الأقل حظا من حيث البنيات الوقائية وتجهيزات السلامة الطرقية.
أمام هذا الوضع، تتعالى الأصوات المنتقدة لأداء الحكومة، معتبرة أن ما يقع ليس قدرا محتوما، بل نتيجة مباشرة لسنوات من ضعف الاستثمار في البنيات التحتية، وغياب رؤية استباقية شاملة لتدبير المخاطر الطبيعية. انتقادات ترى أن حماية الأرواح تقتضي الانتقال من منطق التدخل بعد وقوع الكارثة إلى منطق الوقاية والتخطيط، عبر تحديث شبكات الصرف، ومراقبة سلامة المرافق العمومية، واعتماد منظومة إنذار وتدبير أزمات فعالة، قادرة على تجنيب البلاد تكرار مآسٍ كان بالإمكان تفاديها.

تعليقات