أين اختفى أخنوش؟ بين صمت حكومة «الكفاءات» وغرق آسفي.. فاجعة تبحث عن مسؤول

تتراقص أنوار سيارات الإسعاف والدفاع المدني على مياه راكدة، وهي المشهد الوحيد المتحرك في شوارع آسفي منذ الليلة، بعد أن خيّم صمت ثقيل على المدينة، ليس فقط بسبب الصدمة، بل أيضاً بسبب غياب أي صوت رسمي يعلو فوق ضجيج المأساة.
تعود هذه الفاجعة إلى يوم الأحد، حين تحولت السماء إلى سقف ممزق يفرغ غضبه على المدينة، لتنقلب الأمطار الغزيرة في وقت قياسي إلى سيول جارفة اجتاحت الأحياء، حاملة معها كل ما تصادفه، من سيارات إلى أثاث منازل، في مشهد أشبه بفيلم كوارث أكثر من كونه حدثاً واقعياً.
تكشف الأرقام الأولية عن حجم المأساة الإنسانية؛ 37 قتيلاً على الأقل، عشرات المصابين، ومفقودون لا يزال الأمل في العثور عليهم حياً يتناقص مع مرور الساعات، وسط دمار هائل في البنية التحتية والممتلكات الخاصة، حوّل أحياء كاملة إلى مواقع أشبه بمناطق حرب.
في قلب هذه العاصفة البشرية والمادية، يلفت الصمت الرسمي للحكومة الانتباه؛ فلم يظهر رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي تقود حكومته تحت شعار «الكفاءات»، ولا أي من الوزراء المعنيين مباشرة بموقع الكارثة، وهو غياب فُسّر على نطاق واسع على أنه انفصال عن معاناة المواطنين.
لم يقتصر الغياب على الحضور الميداني، بل امتد إلى غياب أي إعلان رسمي واضح عن خطة استعجالية شاملة؛ فلا خطاب طمأنة علني، ولا إفصاح عن حزمة إغاثة عاجلة، ولا تشكيل لجنة وزارية لتقييم الأضرار، مما ترك السكان والمتطوعين يواجهون الكارثة بإمكانياتهم الذاتية المحدودة.
هذا الصمت الرسمي ترجمته منصات التواصل الاجتماعي إلى عاصفة رقمية من الغضب والسخرية المريرة، حيث انتشرت مقارنات بين سرعة تدخل الدولة في مناسبات أخرى وبطئها هنا، وتساءل كثيرون: أين «كفاءات» الحكومة عندما تُختبر فعلياً على أرض الواقع في أسوأ الظروف؟
تعيد الكارثة فتح الملف العتيق لسياسات التدبير الحضري والتأهيل، فتقارير سابقة حذرت من هشاشة بنية الصرف الصحي في المدينة، وتأخر مشاريع التهيئة، وهو ما يجعل التساؤل مشروعاً: هل كانت الكارثة طبيعية بحتة، أم نتيجة تراكم إهمال وتأجيل جعل المدينة عُرضة لأول اختبار قوي من السماء؟
وسط هذا المشهد، تبرز بطولات فردية ومبادرات محلية كأشعة ضوء متفرقة؛ شباب ينقذون جيرانهم، متطوعون يوزعون الطعام والبطانيات، وأطباء يعملون لساعات طويلة، وهي الصورة التي تتناقض بشكل صارخ مع الغياب المؤسسي، وكأن المجتمع المدني وجد نفسه وحيداً في ساحة المواجهة.
تتصاعد المطالبات الآن على عدة جبهات؛ فمن جهة، يطالب نشطاء وحقوقيون بفتح تحقيق قضائي مستقل للوقوف على أسباب توسع رقعة الخسائر وتحديد المسؤوليات التقنية والإدارية، ومن جهة أخرى، ينتظر المتضررون خططاً واضحة للإيواء والتعويض وإعادة الإعمار.
بين أنقاض المنازل وندوب القلوب، تواجه آسفي سؤالاً وجودياً يتجاوز إعادة البناء المادي؛ سؤال عن قيم التضامن الوطني وحدود المسؤولية. المدينة التي اشتهرت بصمودها التاريخي تبحث اليوم عن إشارة تضامن حقيقية تثبت أن كفاءة الحكم تُقاس في أوقات المحن، لا في خطابات الافتتاح.

تعليقات