من قلب الناظور.. ربط الفشل الحكومي لأخنوش بالمشاريع الملكية.. إستراتيجية ناجحة لتخفيف كلفة النقد؟

من مدينة الناظور، أطلق القيادي الحزبي محمد أوجار تصريحاً أعاد إحياء نقاش عميق يلامس جوهر العلاقة بين الخطاب السياسي والمحاسبة الديمقراطية في المغرب، حيث قدم صورة لحكومة عزيز أخنوش باعتبارها «منفذاً أميناً» لإرادة ملكية عليا، في محاولة -بحسب محللين- لتحويل النقاش حول الإخفاق في تحقيق وعود انتخابية محددة إلى حديث عن «ولاء تنفيذي» يستحق التقدير بدلاً من المحاسبة.
يظهر هذا التوجه الخطابي كاستراتيجية دفاعية متكاملة، تقوم على عملية خلط مدروسة بين مستويين دستوريين مختلفين: مستوى المسؤولية التنفيذية المباشرة للحكومة عن برنامجها الانتخابي لسنة 2021، والمستوى الاستراتيجي التحكيمي للمؤسسة الملكية. فبدلاً من مناقشة الأرقام الصارخة حول البطالة وغلاء المعيشة، يُعرض الحصيلة الحكومية وكأنها فصل في ملحمة وطنية كبرى، يصبح معها أي نقد لها مساساً رمزياً بمسار إصلاحي أوسع.
يعتمد هذا البناء الخطابي بشكل أساسي على الرأس المال الرمزي الهائل الذي تتمتع به المؤسسة الملكية في الوعي الجمعي المغربي، باعتبارها حامية للاستقرار ومنطلقة بالمشاريع الكبرى، مما يمنح الخطاب الحزبي حصانة معنوية يصعب اختراقها، حيث يتحول النقاش من تقييم أداء فريق سياسي إلى محاكمة ولاء وطني، وهي معادلة تضع الخصوم السياسيين والمراقبين في موقع حرج.
رغم براعتها التكتيكية، تحمل هذه الاستراتيجية مخاطر جسيمة على المدى المتوسط والبعيد، فهي تتجاوز الحدود الدقيقة التي رسمها دستور 2011 بين صلاحيات الحكومة القابلة للمساءلة وموقع المؤسسة الملكية كسلطة تحكيمية وتوجيهية عليا فوق الخصومات الحزبية، وهو مبدأ أكد عليه الملك محمد السادس بوضوح في أكثر من مناسبة، مشدداً على أن الحزب الوحيد الذي ينتمي إليه هو المغرب.
على الصعيد الاجتماعي، تبدو فاعلية هذا الخطاب محدودة أمام الواقع اليومي للمواطن، فصعوبات المعيشة وارتفاع الأسعار وتفاقم البطالة تشكل لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة، وهي لغة تفرض محاسبة صارمة قائمة على النتائج الملموسة وليس النوايا أو الانتماءات الرمزية، خاصة في ظل تراكم الخيبات الانتخابية التي عاشها المغاربة خلال العقدين الماضيين.
يقدم المشهد السياسي الحالي دليلاً عملياً على الفشل التدريجي للخطاب التبريري، فمع اقتراب استحقاقات 2026، تتسع الفجوة بين خطاب «التنفيذ الأمين» الذي تتبناه الأغلبية، وصرخات الشارع الملحة التي تطالب بـ«نتائج ملموسة» للوعود الانتخابية غير المحققة، في مؤشر على أن السرديات الكبرى بدأت تفقد قدرتها على تلطيف واقع اقتصادي متردٍ.
ما حدث في الناظور ليس مجرد سقطة خطابية عابرة أو تصريحاً فردياً يمكن تجاوزه، بل هو مؤشر على أزمة مصداقية عميقة يعيشها فريق الأغلبية الحكومية، يحاول من خلالها تحويل النقاش العام من فشله الواضح في التدبير اليومي إلى جدال حول المفاهيم والولاءات والانتماءات، في عملية أشبه بإعادة تعريف قواعد اللعبة السياسية نفسها لصالحه.
السؤال المركزي الذي يفرض نفسه الآن: هل ستنجح هذه الاستراتيجية في تمرير مرحلة المحاسبة الشعبية القادمة، أم أن الناخب المغربي -الذي راكم خبرة سياسية مريرة- قد طور مناعته ضد الخطاب التبريري، وأصبح قادراً على الفصل بوضوح بين المشاريع الوطنية الكبرى التي يفخر بها وبين الإخفاق الواضح لفريق سياسي محدد في تنفيذ وعوده الانتخابية المباشرة؟
الإجابة، كما يشير منطق التاريخ السياسي المغربي الحديث، تكمن في المسافة الشاسعة بين الخطاب الرسمي المعلن والواقع المعيشي اليومي للمواطن البسيط، وهي مساحة يصعب ملؤها بالكلمات والشعارات، خاصة عندما تتحول الحياة نفسها إلى شهادة حية ضد تلك الخطابات.

تعليقات