بالتفاصيل والارقام والمؤشرات… هكذا أخفقت حكومة أخنوش في “امتحان البطالة”

رغم ما ترفعه الحكومة من شعارات حول “الدولة الاجتماعية” و”فرص ما قبل مونديال 2030”، تكشف المؤشرات الرسمية والقراءات التحليلية لخبراء الاقتصاد أن المغرب يعيش واحدة من أدق مراحل سوق الشغل خلال العقود الأخيرة، في مفارقة صادمة بين حجم الأوراش المفتوحة ومستوى البطالة الذي بلغ 13,1 في المائة، وهو ثاني أسوأ رقم يسجل منذ 27 سنة.
ويرى مهتمون بالشأن الاقتصادي أن وصول البطالة إلى هذا المستوى في فترة يفترض أنها ذروة النشاط الاقتصادي، يعكس فشلا بنيويا في السياسات العمومية التي اعتمدتها حكومة عزيز أخنوش، خاصة في ما يتعلق بربط النمو بخلق فرص الشغل. فحسب معطيات متداولة، يلج حوالي 400 ألف شخص سوق العمل سنويا، في وقت لم تنجح الحكومة في خلق سوى آلاف محدودة من فرص الشغل، أغلبها هش، موسمي، أو دون حماية اجتماعية حقيقية.
خبراء اعتبروا أن المشكلة لا تكمن فقط في ضعف عدد المناصب المحدثة، بل في طبيعتها، حيث أصبح الاقتصاد المغربي يولد “وظائف هشة” بدل مناصب قارة تحفظ كرامة الشغيلة وتضمن الاستقرار الاجتماعي. ويؤكد هؤلاء أن الحديث الحكومي عن “تحسن المؤشرات” لا ينسجم مع واقع ملايين الشباب الذين يواجهون البطالة أو يشتغلون خارج تخصصاتهم وفي ظروف غير لائقة.
ومن أبرز الاختلالات التي يشير إليها المختصون، ما وصفوه بـ”المفارقة الصارخة” في القطاعات التي تحظى بالدعم العمومي الأكبر، مثل صناعة السيارات والطيران. فهذه القطاعات، ورغم أرقام معاملاتها الضخمة والأرباح الكبيرة التي تحققها، تظل مساهمتها في التشغيل محدودة جدا. ويعتبر خبراء أن استمرار منح الامتيازات الضريبية والجمركية لهذه الصناعات، دون إلزامها بأهداف واضحة في التشغيل، يعكس انحياز السياسات الحكومية لرأس المال على حساب اليد العاملة.
في المقابل، تعاني القطاعات الأكثر تشغيلا، كالفلاحة المعيشية والبناء والخدمات، من تهميش واضح، رغم احتضانها لمئات الآلاف من مناصب الشغل. ويؤكد مهتمون بالشأن الاجتماعي أن غياب رؤية حكومية لحماية هذه القطاعات جعلها رهينة للموسمية والتغيرات المناخية، ما يؤدي إلى فقدان مئات آلاف الوظائف سنويا، خاصة في العالم القروي.
ويربط خبراء اقتصاديون هذا الوضع بتراجع قدرة النمو على خلق الشغل، حيث تشير الدراسات إلى أن كل نقطة نمو اقتصادي لم تعد تخلق سوى نصف عدد الوظائف مقارنة بما كان عليه الحال قبل 15 سنة. ويعزون ذلك إلى اختيارات حكومية جعلت الاقتصاد أكثر اعتمادا على رأس المال وأقل كثافة في التشغيل، دون مواكبة اجتماعية حقيقية.
وتزداد المخاوف، حسب المتابعين، مع اقتراب أفق 2030، حيث يرتقب انتهاء عدد من الأوراش الكبرى، ما سيؤدي إلى تسريح واسع في قطاع البناء، بالتزامن مع احتمال تراجع النشاط السياحي بعد ذروة المونديال، واستمرار الجفاف، وتزايد المنافسة الإقليمية في المجال السياحي.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ يحذر مختصون من تراجع محتمل لتحويلات مغاربة العالم، التي تشكل رافدا أساسيا للعملة الصعبة، إضافة إلى التحديات الديموغرافية المقبلة مع اقتراب نهاية الهبة الديموغرافية وارتفاع نسبة الشيخوخة، ما سينعكس سلبا على سوق الشغل ونظام الحماية الاجتماعية.
ويجمع خبراء ومهتمون على أن حكومة عزيز أخنوش أخفقت في تحويل النمو الاقتصادي إلى تنمية حقيقية، معتبرين أن المغرب يسير نحو اقتصاد “غني بالأرقام، فقير بالوظائف”، في ظل اتساع الفوارق الاجتماعية وتراجع الطبقة المتوسطة. ويشدد هؤلاء على أن استمرار نفس الاختيارات سيقود إلى تعميق الأزمة الاجتماعية، ما لم يتم تغيير النموذج الإنتاجي، والانتقال من منطق تعظيم الأرباح إلى منطق خلق فرص الشغل وضمان العدالة الاجتماعية.

تعليقات