أزمة تذاكر كأس إفريقيا… صدمة الجالية المغربية وتفكّك الثقة في تدبير حدث وطني

عبد الله مشنون
كاتب صحفي ومحلل سياسي
مهتم بالشؤون العربية، قضايا الهجرة والاسلام.
لم يكن أحد يتوقع أن تتحول لحظة رياضية كان يفترض أن تجمع كل المغاربة حول منتخبهم الوطني، إلى مصدر استياء عارم ومرارة حقيقية لدى آلاف من المواطنين، خصوصًا من أبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج.
فأزمة تذاكر كأس إفريقيا لم تكن مجرد خلل تقني أو سوء تدبير عابر، بل كشفت عن هشاشة بنيوية، وعن علاقة مضطربة بين الجمهور والمنظومة المسؤولة عن تنظيم هذا الحدث القاري.
الطامة ليست في نفاد التذاكر، بل في الطريقة التي نفدت بها.
فقد حجز العديد من أفراد الجالية تذاكر الطائرات والعبارات، ورتبوا عطلاتهم وأعمالهم، ودفعوا مبالغ مهمة في الفنادق… فقط ليكونوا إلى جانب المنتخب الوطني في بلده.
غير أنهم صُدموا بأن عملية اقتناء التذاكر لم تكن ممكنة أصلاً:
المنصّة لا تفتح
التذاكر تختفي في ثوانٍ
وبوابات الشراء تتوقف بدون تفسير
والمثير للسخرية أنّ بعض الأصوات حاولت تعليق شماعة الفشل على الجالية نفسها، متهمة إياها باقتناء التذاكر بكثرة، وكأنها هي سبب الأزمة. والحقيقة التي يؤكدها الجميع من إيطاليا وفرنسا وهولندا وإسبانيا وغيرها:
“لم ننجح في شراء تذكرة واحدة… فكيف نكون اشترينا المئات؟”
إنها رواية سقطت بمجرد أول سؤال منطقي.
السوق السوداء… الفضيحة التي لا يمكن إنكارها
وبينما لم يتمكن الجمهور الحقيقي من شراء التذكرة، ظهرت نفس التذاكر في السوق السوداء بأسعار مضاعفة مرات عديدة.
هذا وحده يكشف أن التلاعب لم يأتِ من الجالية ولا من الجماهير، بل من أطراف تمكّنت من الاستحواذ على عدد كبير من التذاكر قبل وصولها للجمهور.
هنا تطرح الأسئلة نفسها بقوة:
من مَكّن الشناقة من شراء التذاكر بالجملة؟
من حوّل منصة البيع الرسمية إلى نقطة عبور نحو السوق السوداء؟
من يملك القدرة التقنية والتنظيمية التي تسمح له بشراء مئات التذاكر في لحظات؟
ولماذا لا تُصدر الجهات المسؤولة أي بلاغ واضح؟
هذه الأسئلة لا يمكن تجاهلها، لأن الأزمة لم تعد تقنية، بل أصبحت أزمة ثقة.
إدارة غامضة… وغياب الشفافية
ما يدفع إلى القلق هو غياب الأرقام الرسمية حول:
عدد التذاكر المخصصة لكل فئة
نسبة التذاكر التي بيعت فعليًا للجمهور
سبب ظهور التذاكر في السوق السوداء
وعدم اتخاذ إجراءات حماية تقنية لمنع الشراء بالجملة
وإذا كان المغرب يطمح لتنظيم كأس العالم 2030، فإن أول خطوة لتحقيق ذلك هي تقديم نموذج للشفافية في تذاكر بطولة قارية أصغر حجمًا.
أبناء الجالية المغربية بالخارج يشكلون رصيدًا وطنيًا كبيرًا هُم الذين يرفعون صورة المغرب في أوروبا، ويستثمرون في الوطن، ويعودون في كل مناسبة لدعم المنتخب. لكن ما وقع جعل الكثير منهم يشعرون بأنهم مستبعدون من عرس كان من المفترض أن يكون عرسهم أيضًا.
لقد شعروا بأن الجهد الذي بذلوه، والمال الذي صرفوه، والفرح الذي خططوا له… لم يجد احترامًا كافيًا.
ولهذا وجب فتح تحقيق رسمي شفاف يحدد المسؤوليات في فوضى التذاكر.
تفكيك شبكات السمسرة التي تسيء لصورة المغرب.
اعتماد نظام رقمي احترافي يمنع شراء أكثر من عدد محدود من التذاكر.
تخصيص حصة عادلة وواضحة للجالية المغربية بالخارج.
نشر تقرير رسمي يشرح ما جرى، بدل ترك الفراغ الذي يملؤه الغضب والشائعات.
إنّ ما وقع درس كبير، يجب أخذه بجدية ومسؤولية.
فكرة القدم ليست مجرد تسعين دقيقة، بل علاقة متبادلة بين الجمهور والمؤسسات واذا انعدمت الثقة، ضُربت شرعية الحدث كله.
لا نريد أن نتذكر كأس إفريقيا باعتبارها “أزمة التذاكر”، بل كعرس وطني كبير.
وذلك لن يتحقق إلا عندما يستعيد الجمهور حقه الطبيعي: الحق في التشجيع… دون وسطاء، ودون فوضى، ودون سوق سوداء.

تعليقات