صفقة “السكك الحديدية” تفجر نقاشا حول الشفافية في الصفقات العمومية الخاصة بالمحروقات

يشهد قطاع المحروقات في المغرب منذ سنوات نقاشا محتدما حول تضارب المصالح، خاصة مع بروز فاعلين اقتصاديين كبار يتحكمون في السوق وفي الوقت نفسه يوجدون في قلب دوائر اتخاذ القرار الحكومي. هذا التداخل بين السلطة الاقتصادية والسلطة السياسية جعل عددا من الملفات تثير جدلا متصاعدا، خصوصا حين يتعلق الأمر بصفقات عمومية يفترض أن تُجرى وفق قواعد الشفافية والمنافسة الحرة.
ومع كل مستجد يرتبط بتحديد أسعار المحروقات أو منح صفقات التزويد، يعود السؤال المحوري إلى الواجهة: هل تستطيع المؤسسات حماية حيادها حين يصبح أصحاب القرار جزءا من المنظومة الاقتصادية نفسها؟
في هذا السياق، أثار موضوع الصفقة المتعلقة بتزويد المكتب الوطني للسكك الحديدية بالغازوال جدلا واسعا، بعدما تداولت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي معطيات تفيد بإقصاء عرض شركة للتوزيع بدعوى أنه “منخفض بشكل غير عادي”، بأكثر من ستين مليون درهم عن التقديرات الرسمية، أي بما يفوق درهمين عن كل لتر واحد مقارنة بالثمن المرجعي؛ هذا المعطى لم يثر فقط تساؤلات حول العرض نفسه، بل أيضا حول الجهة التي قدمته، باعتبار أن الشركة المعنية ترتبط بشكل مباشر بدوائر القرار داخل القطاع نفسه، ما جعل شبهة تضارب المصالح أكثر وضوحا وحدة.
النائب البرلماني خالد الشناق عبر، عبر تدوينة نشرها على صفحته بموقع فيسبوك، عن قلقه من الطريقة التي تم بها التعامل مع هذا العرض، مذكرا بأنه كان من أوائل البرلمانيين الذين نبهوا منذ بداية الولاية الحكومية الحالية إلى خطورة الهوامش الربحية الخيالية في سوق المحروقات، والتي تتجاوز درهمين عن كل لتر، وما خلفته من أعباء ثقيلة على القدرة الشرائية للمواطنين وعلى قطاع النقل واللوجستيك وعلى تنافسية الاقتصاد الوطني برمته.
واعتبر الشناق أن استمرار الأسعار المرتفعة، وتضخم الهوامش الربحية دون مبررات اقتصادية واضحة، إلى جانب محاولات الفوز بصفقات عمومية بعروض وصفت بأنها غير منطقية اقتصادياً، كلها مؤشرات على أن سوق المحروقات يعاني اختلالات بنيوية تستوجب إصلاحا عميقا لا يقبل التأجيل.
وأضاف أن جدل صفقة المكتب الوطني للسكك الحديدية يعيد مرة أخرى السؤال الجوهري إلى الواجهة: كيف يمكن ضمان منافسة شريفة وحيادا مؤسساتيا حين تجتمع سلطة القرار مع قوة المال داخل القطاع نفسه؟
وأمام حساسية الملف، يتجدد النقاش حول ضرورة تعزيز آليات الرقابة وتحصين الصفقات العمومية من أي تأثيرات محتملة لمواقع النفوذ الاقتصادي، بما يضمن عدالة السوق ويحمي المستهلكين من ممارسات قد تتعارض مع مبادئ الشفافية والمنافسة السليمة.

تعليقات