«المسطرة الجنائية» تدخل حيز التنفيذ.. وتحذيرات من تناقضات تضرب الدستور وتهدد الحقوق والحريات

دخل قانون المسطرة الجنائية الجديد حيز التنفيذ اليوم الإثنين، وسط ردود فعل ناقدة من جهات حقوقية حذّرت من تناقضات داخل النصّ قد تضرب المبادئ الدستورية وتُضعف ضمانات الحقوق والحريات. ورصدت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان سلسلة إشكالات جوهرية في التشريع الجديد.
ورأت المنظمة أن القانون، رغم سعيه المعلن إلى التحديث، يكشف قصوراً تشريعياً واضحاً في التصدي للجرائم البيئية، ويضيّق هامش عمل المجتمع المدني، ويثير تساؤلات حول جدوى آليات العدالة التصالحية. كما أشارت إلى ازدواجية الوسائل التقليدية والرقمية في الإجراءات، مع غياب رؤية متكاملة لحماية الضحايا وإدماج مقاربة النوع الاجتماعي.
وانتقدت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بشدة الديباجة الجديدة، معتبرة أنها لم ترتقِ إلى تحقيق الأهداف المتعلقة بمركزية الحقوق والحريات في المنظومة الدستورية والمؤسساتية والاتفاقيات الدولية. وطالبت بتضمين مرجعيات صريحة، أبرزها تكريس مبدأ المجانية في الوصول إلى العدالة، وإقرار حق التعويض، وتعزيز الضمانات العملية للحق في الصمت، إلى جانب الإشارة المباشرة إلى الاتفاقيات الدولية والفصول الدستورية ذات الصلة.
وتوقفت المنظمة عند مواد حساسة تنظم الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، ووصفتها بأنها تمسّ ضمانات الحرية الفردية وحقوق الدفاع. ودعت إلى ترشيد الاعتقال الاحتياطي، وتقليص مدته، وتعليل قرارات تمديده، وإقرار حق الطعن في شرعية الإيداع، مع التوسع في التدابير البديلة. كما نبهت إلى أن حرمان الدفاع من نسخ وثائق الملف فوراً يشكل انتقاصاً من حق أصيل يضمن المحاكمة العادلة.
وبشكل لافت، سلّط تقرير المنظمة الضوء على المادة 3 المتعلقة بالجرائم الماسة بالمال العام، واعتبرها تناقضاً صارخاً مع الدستور. ورأت المنظمة أن هذه المادة قد تفرغ القضاء من صلاحياته الأساسية في مراقبة المال العام وزجر الفساد، مما يخرق مبدأ استقلال القضاء. وأكدت أن استثناء التلبس يصعب تطبيقه عملياً في الجرائم المالية المعقدة، الأمر الذي يقوّض الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد.
وفي سياق متصل، انتقد التقرير تقييد قدرة الجمعيات على الانتصاب كطرف مدني في الدعاوى الجنائية، واعتبره عائقاً أمام تفعيل الأدوار التي خولها دستور 2011 للمجتمع المدني في المشاركة والرقابة ومحاربة الفساد. ولفت إلى تناقض آخر يتمثل في استمرار الاعتماد على الوسائل اليدوية رغم إعلان الديباجة «اعتماد الرقمنة»، مما يؤثر سلباً على الشفافية وجودة العمل القضائي.
وتركزت توصيات المنظمة المغربية لحقوق الإنسان على تقييد الإجراءات السالبة للحرية، ودعم مؤسسة قاضي التحقيق، وسد العجز في القضاة، والتحول الرقمي الحقيقي، مؤكدة أن نجاح القانون مرهون بتنزيل واعٍ ومتدرج يلتزم بحماية الحقوق ويوجه التشريع لخدمة العدالة بعيداً عن التحديث الشكلي.

تعليقات