آخر الأخبار

ماذا يريد المغرب؟ وماذا تبحث عنه إسبانيا؟.. اتفاق بحري يعيد ترتيب المصالح بين الجارين

اتخذ الجاران المغرب وإسبانيا خطوة جديدة نحو تحويل البحر من مجال محتمل للتوتر إلى فضاء للتعاون الاستراتيجي، وذلك من خلال توقيع مذكرة تفاهم شاملة في مجال الصيد البحري وتربية الأحياء المائية. وُقّعت هذه المذكرة يوم الجمعة على هامش انعقاد الاجتماع الرفيع المستوى الثالث عشر بين البلدين، مما يؤكد مكانتها كجزء من حوار أوسع وأعمق يتجاوز الشؤون اليومية.

بالنسبة للمغرب، يمثل هذا الاتفاق ركيزة في سعيه لتحقيق طموحين مترابطين: تعزيز الحكامة المستدامة لموارده البحرية الهائلة، وترسيخ مكانته كقاعدة إقليمية فاعلة في مجال «الاقتصاد الأزرق». فهو لا يهدف فقط إلى تطوير قطاع الصيد، بل إلى بناء نموذج متكامل قائم على المعرفة والابتكار والاستدامة.

وعلى الجانب الآخر، تبحث إسبانيا عن تحقيق الاستقرار والتنبؤية في محيطها الجنوبي المباشر، خاصة في الفضاءين الأطلسي والمتوسطي المتجاورين مع المغرب. يمر هذا الاستقرار عبر تعاون مؤسسي يسمح بإدارة مشتركة للتحديات، ويقلل من مساحات الغموض التي قد تؤثر على مصالحها الاقتصادية والأمنية.

تتناول المذكرة بشكل مباشر قضية الصيد غير القانوني، وهو مصدر قلق مشترك. التعاون في المراقبة وتبادل المعلومات ليس مجرد إجراء فني، بل هو آلية لبناء الثقة بين أجهزة الإشراف في البلدين، وتحويل المياه المشتركة من منطقة رمادية إلى منطقة خاضعة للقواعد والقوانين.

كما يسلط الضوء على التعاون العلمي وتبادل الكفاءات كمجال حيوي. هنا، يتجاوز الهدف نقل التكنولوجيا إلى السعي المشترك لإنتاج المعرفة حول البيئة البحرية، مما يمكن الطرفين من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن ثرواتهما المشتركة في مواجهة تحديات مثل التغير المناخي.

ويتجلى البعد الاستراتيجي في ربط الاتفاق بقمة الحوار الثنائي الأعلى مستوى. هذا الإطار يمنح المذكرة زخماً سياسياً، ويؤكد أن النجاح في هذا الملف يمكن أن يخلق «رصيد ثقة» إيجابياً ينعكس على مجالات تعاون أخرى بين الرباط ومدريد.

لضمان تحويل النصوص إلى نتائج ملموسة، نصت المذكرة على إنشاء لجنة مشتركة للمتابعة. هذه الآلية تهدف إلى منع تحول الاتفاق إلى حبر على ورق، وتعكس إرادة الطرفين في تحويل المصالح المعلنة إلى مشاريع عملية وجدول زمني محدد.

من منظور إقليمي أوسع، يمكن قراءة هذا التقارب البحري كجزء من تحول دبلوماسي مغربي يركز على بناء شراكات مبنية على المصالح الاقتصادية والتقنية الملموسة، مع طي صفحات التوتر التي تهيمن على العلاقات الثنائية أحياناً.

وبالمثل، تظهر إسبانيا من خلال هذا النهج رغبة في تطوير علاقتها مع المغرب تتجاوز نمط رد الفعل على القضايا الخلافية العالقة. إنها إشارة على أولوية المنفعة المتبادلة والاستقرار طويل الأمد في تعريف المصالح الوطنية.

يبدو أن هذا الاتفاق البحري يحاول الإجابة على السؤال المحوري: «ماذا يريد الطرفان؟» بالإشارة إلى رغبة مشتركة في هندسة علاقة جديدة، علاقة لا ينظر فيها إلى البحر كحاجز، بل كجسر لتعاون يحول المصالح المتقاطعة إلى مصالح متشابكة ومستقرة.

المقال التالي