60% من تلامذة الريادة بلا تعلّمات أساسية.. هل تبخّرت وعود الإصلاح التي قدّمها الوزير برادة؟

لم يعد النقاش حول «مدارس الريادة» مجرّد سجال سياسي أو تربوي عابر، بل صار اليوم محكوماً برقم ثقيل يفرض نفسه بقوّة: 60 في المائة من تلامذة هذه المؤسسات لا يتحكّمون في أبسط التعلمات الأساسية. هذا المعطى، الذي كشفت عنه التقييمات الأخيرة، اعتبره خالد الصمدي، كاتب الدولة السابق المكلّف بالتعليم العالي، نسبة «مدمّرة» بكل المقاييس، مشدّداً على أنّها لا تفضح حدود الخطاب الرسمي فقط، بل تقدّم أيضاً دليلاً رقمياً صارخاً على حجم الأزمة، قبل أن يتساءل بمرارة: «فكيف هو حال باقي المدارس؟».
يأتي هذا الرقم الصادم بعد أربع سنوات كاملة من إطلاق المشروع، وهي المدّة التي كان من المفترض أن تؤدي فيها الاستثمارات المالية والبشرية إلى علاج التعثرات. الهدف المعلن كان تمكين المتعلمين من الأساسيات، غير أنّ الحصيلة الرقمية تكشف عن تناقض صارخ؛ فبدلاً من تحسين المؤشرات، نحن أمام انهيار كمي يثبت فشل التجربة في جوهرها.
ولا يتوقف الإخفاق عند هذا الحد؛ فالنسبة الأكثر إثارة للقلق هي تلك التي لم تُكشف بعد، والمتعلقة بباقي المدارس العمومية التي وصفتها السلطات بـ«مدارس ماشي رائدة». وانتقد الصمدي هذا التوصيف، مؤكداً أنّ هذه النسبة المقلقة تطرح تساؤلاً جوهرياً حول حجم الفشل الحقيقي في آلاف المؤسسات الأخرى التي طُلب من الأسر عملياً التخلي عنها، بما يعني أن الكارثة أعمق وأوسع من رقم 60 في المائة.
إن هذه الإحصائية تشكّل شاهداً رقمياً على فشل مشروع علّقت عليه الحكومة أغلب آمالها، وروّجت له بتصريحات «ارتجالية رنّانة» وصلت إلى حدّ تقديمه كنموذج يتفوّق على التعليم الخصوصي. فكيف يمكن التوفيق بين خطاب التفوّق هذا ورقم الإخفاق الرسمي؟ وكيف يمكن تصديق ادعاءات سابقة عن «توافد دول متقدّمة» للاستفادة من تجربة باتت أرقامها تعلن نهايتها؟
ويرى الصمدي أن هذه النتيجة لم تكن مفاجِئة للخبراء، بل هي حصيلة حتمية لتراكم أربعة اختلالات كبرى: تشريعية، وبيداغوجية، وتدبيرية، ومالية. هذه العوامل مجتمعة شكّلت وصفة فشل متكاملة، سبق للفاعلين التربويين أن حذّروا الحكومة منها مراراً، لكنها قوبلت بما وصفه بـ«التجاهل والهواية» في التدبير، ما أدّى إلى تفاقم الأزمة وصولاً إلى هذا الرقم الصادم.
ويؤكد الصمدي أن الاعتراف الرسمي بهذا الفشل، في أبعاده الكمية والنوعية، يثبت أن الحكومة حادت عن الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار، معتمدة خارطة طريق «اجتثّت ما لها من قرار». هذا الانحراف هو ما أوصل المنظومة إلى حالة الارتباك الحالية، حيث لم يعد الخطاب الرسمي قادراً على مجاراة الأرقام القاسية التي باتت تشكّل دليلاً دامغاً على عمق الأزمة.

تعليقات