آخر الأخبار

حماية حقوق المؤلف أم خنق الأجواء الثقافية البسيطة؟.. جدل واسع بعد مخالفة مقهى في تازة

في واقعة أثارت جدلاً واسعاً بين القانون والواقع الاجتماعي، أقدمت لجنة «استعمال واستغلال المصنفات المحمية دون ترخيص»، التابعة للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين، على تحرير محضر رسمي ضد صاحب مقهى في مدينة تازة. كانت «الجريمة» تشغيل أغنية للمطربة اللبنانية الأسطورة فيروز داخل محله، دون الحصول على الترخيص القانوني المطلوب، وذلك وفق ما ذُكر في المحضر المؤرخ في 4 من دجنبر والمستند إلى قانون حقوق المؤلف رقم 2.00.

لم تكن المخالفة مجرد إجراء روتيني، بل تحولت إلى شرارة أطلقت نقاشاً محتدماً على منصات التواصل الاجتماعي وفي الأوساط الشعبية. تساءل الكثيرون: أين تكمن الحدود بين حماية الحقوق المشروعة للمبدعين والفنانين، وبين خنق الأجواء الثقافية البسيطة التي اعتادها الناس في حياتهم اليومية؟

من جهة، يُصر المدافعون عن القانون على أن هدفه نبيل وحاسم: حماية الملكية الفكرية وتأمين عائد مالي عادل للفنانين والملحنين والناشرين من استغلال أعمالهم، خاصة في الأماكن التجارية التي قد تجني فائدة من جذب الزبائن عبر هذه الموسيقى. ويؤكدون أن احترام القانون يحفظ استدامة الإبداع ويشجع الفنانين على الاستمرار في العطاء.

لكن من جهة أخرى، يرى منتقدو الحادثة أن التطبيق جاء «قاسياً» و«غير مسبوق» في سياقه، خاصة عندما يتعلق الأمر بمطربة مثل فيروز، التي تحولت أغانيها إلى جزء من التراث الثقافي المشاع في العديد من الأماكن العربية. وتساءل نشطاء بسخرية: «إذا كان تشغيل أغنية لفيروز في مقهى صغير جريمة، فماذا بقي؟ هل سندفع قريباً رسوماً على ضحكات الزبائن أو ضجيج الأطباق؟».

يعبر أصحاب المقاهي الصغيرة، خاصة في المدن المتوسطة والمناطق الشعبية، عن قلق حقيقي. فهم يعتبرون الموسيقى الخفيفة في الخلفية جزءاً أساسياً من تجربة الزبون، ووسيلة بسيطة وغير مكلفة لخلق أجواء مريحة، وليس نشاطاً تجارياً أساسياً يعود عليهم بأرباح طائلة. ويرون أن فرض تراخيص باهظة قد يشكل عبئاً مالياً إضافياً يثقل كاهل مشاريعهم الهشة أصلاً.

تُلقي هذه الواقعة الضوء على إشكالية أعمق: مدى مرونة النصوص القانونية وقابليتها للتكيف مع السياقات الاجتماعية والاقتصادية المتنوعة. فبينما تكون الحماية ضرورية للمنتجين الكبار والحفلات الموسيقية الضخمة، يبقى التساؤل عن مدى ملاءمة نفس الآليات للمقاهي الشعبية والبقالات والحرفيين الصغار.

الخلاصة أن حادثة تازة فتحت ملفاً يحتاج إلى حوار وطني هادئ وعقلاني. الحل لا يكمن في إلغاء الحماية القانونية التي هي مكسب ثقافي هام، ولا في التطبيق الحرفي القاسي الذي يتجاهل واقع فئات واسعة. قد تكون الحلول الوسطى، مثل تراخيص مجمعة بأسعار رمزية للمقاهي الصغيرة، أو تعريف واضح لطبيعة «الاستغلال التجاري»، هي المخرج العادل الذي يحفظ حقوق المؤلف دون أن يخنق نفحة الثقافة البسيطة في حياتنا اليومية. السؤال الذي ينتظر إجابة: كيف نصل إلى هذه الموازنة؟

المقال التالي