رفض أفريقي حاسم.. كيف تحوّل مؤتمر وهران إلى فخ للدبلوماسية الجزائرية ودعمٍ للوحدة الترابية المغربية؟

انتهى «مؤتمر السلم والأمن في أفريقيا» بوهران، اليوم، بمشهد غير مسبوق؛ إذ غادر المندوبون القاعة دون بيان ختامي يُجمعون عليه. ولم يكن هذا الغياب مجرد تفصيل إجرائي، بل تحول إلى رسالة سياسية صارخة تكشف فشلاً استراتيجياً للدبلوماسية الجزائرية التي استضافت الحدث.
سعت الجزائر إلى تحويل الندوة الثانية عشرة رفيعة المستوى إلى منصة لإعادة رسم «أولويات الأمن القاري». سخّرت في ذلك دعماً لوجستياً واسعاً، وحركية إعلامية مكثفة، وحشداً للوفود المشاركة، بهدف واحد: فرض روايتها في الوثيقة الختامية.
وتفاقمت الأزمة داخل أروقة المؤتمر حين أصرّ الوفد الجزائري، بقيادة وزير الخارجية أحمد عطاف، على تضمين البيان مصطلحات مُثيرة للجدل، أبرزها وصف «الكيان الوهمي». حاولت الدبلوماسية الجزائرية استغلال قاعدة الإجماع لتمرير خطاب يمسّ السيادة الوطنية لإحدى الدول الأعضاء.
لكن اللحظة الفارقة جاءت عندما وقف وزير خارجية كوت ديفوار، كاكو ليون أدوم، في مواجهة هذه المحاولة. عبّر الوزير الإيفواري بوضوح عن رفضه تحويل المؤتمر إلى منصة لأجندات انفصالية، مؤكداً أولوية احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها. وقد وجد موقفه دعماً ضمنياً من وفود أفريقية أخرى تابعت المشهد عن كثب.
هذا الرفض الصريح أدى إلى شلل تام في عملية الصياغة. وجدت الجزائر نفسها أمام خيارين: التراجع عن شروطها، أو تحمّل مسؤولية إفشال المؤتمر. اختارت الخيار الثاني، في خطوة عكست تصلباً كشف عن محدودية قدرتها على بناء توافقات داخل المنظمة القارية.
ويكشف الموقف الإيفواري عن تحوّل عميق في الثقافة السياسية داخل أفريقيا؛ إذ لم تعد الدول تقبل بتحويل منابر التعاون القاري إلى أدوات لتصفية نزاعات إقليمية. كما يؤكد أن النفوذ داخل الاتحاد الأفريقي لم يعد يُصنع بالخطابات ولا بالتمويل، بل بقوة التحالفات والمصالح المشتركة.
ويبرز غياب البيان الختامي هشاشة الرهان على «الدبلوماسية الشيكية» لاستمالة المواقف. فالأسلوب الذي نجح ظرفياً في محافل سابقة يصطدم اليوم بإرادة أفريقية متماسكة تدرك أن استقرارها يبدأ باحترام القانون الدولي وسيادة الجيران.
وتحمل نتائج المؤتمر دلالات واضحة على توازن القوى الإقليمي. فالدولة المضيفة التي سعت إلى إبراز زعامتها خرجت منهكة ومكشوفة، بينما الدولة المستهدفة بشكل غير مباشر خرجت أقوى، بفضل حلفاء يدافعون عن ثوابتها دون ضجيج أو حضور استعراضي.
كما يعزز هذا المشهد الشرعية المتنامية لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب، والتي باتت تُرى كحل واقعي يحظى بتقدير متزايد داخل أفريقيا. فرفض مؤتمر وهران للبدائل الانفصالية لم يكن مجرد موقف سياسي، بل تعبير عن وعي جماعي بضرورة حماية الاستقرار القاري.
وتظهر التطورات في وهران أن محاولة قلب الحقائق عبر البيانات لن تغيّر موازين القوة، وأن مستقبل التعاون الأفريقي سيُبنى على مشاريع عملية في الأمن والتنمية، لا على محاولات زرع الانقسام.
ويظل إرث مؤتمر وهران هو ذلك البيان الغائب، الذي قالت صمته ما لم تقله الكلمات: حدود النفوذ، ووزن التحالفات، ومعالم تحول جيوسياسي أفريقي جديد لا مكان فيه للخطابات الأيديولوجية ولا للتمويل السياسي كأداة لفرض واقع مصطنع.

تعليقات