تدريبات عسكرية مكثفة في سبتة ومليلية.. هل تُخفي إسبانيا أجندة سياسية وراء ذراع «الجاهزية»؟ (صور)

تشهد المدينتان المحتلتان سبتة ومليلية منذ أسابيع نشاطاً عسكرياً إسبانياً غير مسبوق من حيث الكثافة والتوقيت، حيث تُنفذ وحدات النخبة في الجيش الإسباني وبالأخص «مجموعة النظاميين 52» المتمركزة في مليلية، سلسلة تدريبات متقدمة تزامنت مع مناقشات داخلية في إسبانيا حول ملف الهجرة وطبيعة العلاقات مع جارتها الجنوبية. هذا التصعيد العسكري المفاجئ يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد دفئاً ملحوظاً، مما يطرح تساؤلات عديدة حول الحكمة من هذه الخطوة والرسائل الخفية التي قد تحملها بين طياتها للحكومة المغربية والرأي العام على حد سواء.
وفي التفاصيل العسكرية التي كشفت عنها التقارير الإسبانية اليوم الإثنين، نفذت السرية الأولى من كتيبة «الحسيمة» 1/52 تدريبات مكثفة باستخدام الذخيرة الحية، شملت إطلاق صواريخ مضادة للدروع متطورة، إلى جانب تمارين تكتيكية عالية الدقة تحاكي سيناريوهات القتال في الأحياء الحضرية والمباني السكنية، مع تركيز خاص على ما يُعرف بالقتال في المناطق المبنية. كما شملت هذه التدريبات عنصراً مهماً تمثل في التدريب الليلي وعمليات القنص لمسافات متفاوتة، في إطار ما وصفته القيادة الإسبانية بضمان «أعلى درجات الجاهزية القتالية» للوحدات المنتشرة في هاتين المنطقتين الحساستين.
ويحاول الجيش الإسباني تقديم هذه المناورات على أنها مجرد تدريبات روتينية تهدف إلى «الحفاظ على الجاهزية العملياتية» في منطقة توصف بالاستراتيجية، إلا أن مراقبين مغاربة ينظرون إليها من زاوية مختلفة تماماً، حيث يرون أنها تحمل أبعاداً سياسية تتجاوز الإطار العسكري الضيق. ففي ظل المناخ الإقليمي المتوتر بمنطقة غرب المتوسط، والتحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، تبرز هذه التدريبات كرسالة موجهة للرباط حول قدرات إسبانيا العسكرية وقدرتها على حماية ما تسميه «أراضيها السيادية» في شمال إفريقيا.
ويعتقد محللون مختصون في الشؤون الإسبانية أن جزءاً كبيراً من هذه الضجة العسكرية يمكن فهمه في إطار النقاش الداخلي الإسباني الحاد حول ميزانية الدفاع ومستقبل الوجود الإسباني في المدينتين المحتلتين. فالحكومة الإسبانية تواجه ضغوطاً داخلية من أحزاب المعارضة التي تتهمها بـ«التراخي» في التعامل مع الملف المغربي، مما يدفعها إلى استعراض عضلاتها العسكرية كوسيلة لتهدئة هذه الأصوات المنتقدة، ولو على حساب إثارة بعض الحساسيات في الجانب المغربي.
ومن جهة أخرى، تؤكد مصادر دبلوماسية مغربية مطلعة أن التنسيق الأمني بين الرباط ومدريد لا يزال عند مستويات عالية جداً، مع تبادل للمعلومات الاستخباراتية وتعاون عملي في مجالات مكافحة الهجرة غير النظامية والجريمة المنظمة. هذه المعطيات الواقعية تتعارض مع السردية الإسبانية التي تبرر التصعيد العسكري بوجود «تهديدات هجينة» متزايدة، حيث يرى خبراء مغاربة أن مصطلح «التهديد الهجين» نفسه يظل مصطلحاً فضفاضاً يُستخدم بشكل انتقائي لخدمة أجندات سياسية داخلية أكثر من كونه توصيفاً دقيقاً لواقع الأمن في المنطقة.
ويبقى الموقف المغربي الرسمي من قضية سبتة ومليلية واضحاً وثابتاً، حيث تعتبرهما الرباط أراضٍ مغربية محتلة، مع التأكيد على أن هذا الخلاف التاريخي لا يجب أن يعيق تطوير التعاون الثنائي في المجالات الأخرى. وتصر الدبلوماسية المغربية على اعتماد مقاربة واقعية تقوم على الصبر الاستراتيجي والتراكم الإيجابي، مع التمسك بالشرعية التاريخية والحقوق الثابتة للسيادة الوطنية. وفي الختام، يمكن القول إن هذه التدريبات العسكرية الإسبانية، رغم ضجتها الإعلامية، لا تبدو قادرة على تغيير المعادلة الاستراتيجية القائمة بين البلدين، والتي تظل محكومة بمنطق المصالح المشتركة وضرورات الجوار الإقليمي أكثر من أي اعتبار آخر.







تعليقات