من «المصاصة» إلى «المكفسين».. رحلة تصريحات وزير التعليم برادة المثيرة للجدل

تمثل التصريحات الأخيرة لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، نموذجاً لإشكالية عميقة تتجاوز مجرد ردود الفعل الإعلامية العابرة، حيث تكشف عن فجوة منهجية في فهم طبيعة الإصلاح التربوي ومتطلباته الأساسية. هذه التصريحات تثير العديد من الأسئلة حول التوجهات الحكومية في إصلاح المنظومة التعليمية، خاصة في ظل ما أُثير من جدل.
التصريح الذي دعا فيه الأسر إلى تسجيل أبنائها في المدارس البعيدة التي تضم أفضل الأساتذة، مع إشارته إلى أساتذة مدارس القرب بأنهم «مكفسين»، لم يكن مجرد زلة لسان عابرة، بل يحمل دلالات عميقة حول الرؤية التي تحكم سياسات الإصلاح. هذا الخطاب يعكس تناقضاً واضحاً بين المبادئ الأساسية للسياسة التعليمية والممارسة الفعلية، مما يضع سياسات الإصلاح في موضع تساؤل.
من هنا، نجد أن هذه التصريحات قد أسهمت في إحداث شرخ عميق في العلاقة بين القيادة التعليمية والميدان التربوي، حيث شعر المعلمون في المناطق النائية بأنهم مهمشون ومستهزأ بهم. هذا التناقض بين القول والفعل يساهم في تعزيز ضعف الثقة بين مختلف الأطراف المعنية بالإصلاح.
وفي إطار هذه الأزمة، يبرز مشروع «الريادة» الذي يُروج له كحل سحري، لكنه يعاني من إشكاليات منهجية حادة. تشير المعطيات الميدانية إلى تأخر في توزيع الوسائل التعليمية، ونقص في التكوين الكافي للأساتذة، إضافة إلى غياب التنسيق الفعال بين المفتشين. هذه التحديات تُظهر الفجوة بين التصور النظري للإصلاح والتنفيذ على الأرض.
كما أن الفجوة بين التصور النظري للإصلاح وآليات تنفيذه على الأرض تظل مشكلة محورية، حيث تفتقر العديد من المبادرات إلى الدراسات الميدانية الجادة التي تتعامل مع الاحتياجات الفعلية للفاعلين التربويين. هذا الأمر يجعل من الصعب تحقيق النتائج المرجوة من الإصلاحات التعليمية.
إضافة إلى ذلك، تبرز أزمة الثقة بين مكونات المنظومة التربوية كأحد المعيقات الأساسية أمام أي محاولة للإصلاح. فعدم وجود ثقة متبادلة بين الإدارات والمعلمين والمتعلمين يجعل أي برنامج إصلاحي عرضة للفشل، وبالتالي لا يمكن تحقيق التغيير الفعلي دون تعزيز هذه الثقة.
أما عن إشكالية التمويل والموارد، فهي تمثل تحدياً إضافياً يواجه سياسات الإصلاح، حيث تظهر المؤشرات أن الاعتمادات المخصصة لا تتناسب مع طموحات المشاريع المعلنة. لذلك، من الضروري تخصيص ميزانيات تتماشى مع الأهداف المرجوة لتحقيق الإصلاح بشكل ملموس.
وأخيراً، يُعد غياب المشاركة الحقيقية للفاعلين التربويين في صياغة السياسات التعليمية أحد الأسباب الرئيسية لإخفاق العديد من المبادرات الإصلاحية. هؤلاء الفاعلون يمتلكون رؤى عملية لا غنى عنها في تحقيق التغيير الفعلي في النظام التعليمي.
إصلاح المنظومة التربوية يتطلب رؤية استراتيجية شاملة تتجاوز الأهداف الآنية والانشغال بالإعلام، مع التركيز على معالجة الإشكاليات الهيكلية بعيداً عن الخطابات التي تزيد من تعقيد المشكلات. لتحقيق هذه الرؤية، يجب أن يكون هناك تضافر حقيقي للجهود بين جميع الأطراف المعنية لضمان تنفيذ إصلاحات فعّالة ومستدامة.

تعليقات