قرار مجلس الأمن الجديد… لحظة حاسمة تُعيد رسم ملامح النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية

عبد الله مشنون
كاتب صحفي ومحلل سياسي مقيم في إيطاليا .
يشكل القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن الدولي محطة مفصلية في مسار النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، إذ لم يعد مجرد وثيقة تقنية تُجدد ولاية البعثة الأممية، بل أصبح مرآةً لميزان القوى الجديد في المنطقة، وإعادة تموضع سياسي يكرس التحولات التي عرفها الملف خلال السنوات الأخيرة.
وبحكم أنني كاتب صحفي مقيم في أوروبا وأتابع عن قرب التحولات المرتبطة بقضية الصحراء المغربية، يتضح لي أن الرأي الأوروبي بات أكثر وعيًا بطبيعة هذا النزاع وأكثر إدراكًا لجدية المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
كما أن النقاش داخل الأوساط السياسية والفكرية والإعلامية الأوروبية يشير بوضوح إلى تغير ملموس في قراءة هذا الملف، وانتقال الاهتمام من الخطابات الإيديولوجية القديمة إلى تقييم واقعي يعتمد الاستقرار الإقليمي والأمن ومصداقية الفاعلين.
وهو ما يجعل القرار الأممي الأخير جزءًا من مناخ دولي أوسع، يعيد الاعتبار للرؤية المغربية باعتبارها الإطار الأكثر نضجًا وواقعية.
فالقرار — الذي جاء مختصرًا من حيث الشكل، لكنه دقيق وحاسم في مضمونه — يعكس نضج المقاربة الدولية تجاه هذا النزاع الذي عمر طويلاً، ويضع حدًا لعدد من الالتباسات التي كانت تستغلها الأطراف المناوئة للمغرب من أجل تسويق قراءات خاطئة أو تضليل الرأي العام الدولي.
أولًا: اعتراف صريح بطبيعة الأطراف الحقيقية في النزاع
من أبرز ما حمله القرار هو استخدام مجلس الأمن لعبارة “الأطراف” بدل “طرفي النزاع”، وهي صياغة ليست لغوية فحسب، بل سياسية وقانونية بامتياز.
فالمجتمع الدولي بات اليوم أكثر وضوحًا في تحديد المسؤولين المباشرين عن هذا الملف، ولم يعد يقبل المواقف المواربة أو ازدواجية الخطاب.
وإدراج الجزائر بشكل واضح ضمن دائرة الأطراف المعنية لم يعد اجتهادًا أو تحميلًا للنوايا، بل أصبح جزءًا أصيلًا من النص الأممي نفسه، الأمر الذي ينسف نهائيًا الرواية القديمة التي كانت تعتبر الجزائر “مجرد بلد جار”.
هذا التحول يعيد النقاش إلى طبيعته الحقيقية: نزاع ذو أبعاد إقليمية، وليس خلافًا بين المغرب وكيان انفصالي فقط.
ثانيًا: تكريس الحكم الذاتي كأفق وحيد للحل
لم يعد الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب منذ 2007 مقترحًا “مطروحًا ضمن خيارات أخرى”؛ بل أصبح — وفق صياغة قرار مجلس الأمن — المرجعية الواقعية والعملية الوحيدة القادرة على إنتاج تسوية سياسية.
وتشير اللغة الدقيقة للقرار إلى رغبة دولية متزايدة في تجاوز الطروحات القديمة التي لم تسهم إلا في إطالة النزاع وتعميق معاناة السكان. فالمجلس لم يكتف بالإشارة إلى المبادرة المغربية بوصفها “جدية وذات مصداقية”، بل اعتبرها أساسًا للتفاوض ودعامةً لأي مسار سياسي مستقبلي.
هذه الصياغة تضع حدًا للقراءات التي كانت تعتبر أن الأمم المتحدة تقف على مسافة واحدة من جميع المقاربات.
الحقيقة اليوم أكثر وضوحًا: المجتمع الدولي يرى في الحكم الذاتي حلًا منطقيًا وواقعيًا، ومتوافقًا مع القانون الدولي والتوازنات الجيوسياسية.
ثالثًا: نهاية مرحلة وبداية أخرى
ما بعد هذا القرار ليس كما قبله. فالنقاش الدولي يتجه نحو طيّ صفحة “الاستفتاء” الذي لم يعد ممكنًا، وإلى دعم حل سياسي قائم على التوافق، قابل للتطبيق، ويحترم السيادة الوطنية للدول.
كما يؤشر القرار على إدراك عالمي متزايد بأن استمرار الوضع على ما هو عليه يفتح الباب أمام تهديدات أمنية في الساحل والصحراء، في ظل تنامي الإرهاب والجريمة العابرة للحدود.
إن دعم النموذج المغربي لا ينبع فقط من شرعيته التاريخية والقانونية، بل كذلك من قدرته على توفير الاستقرار في منطقة تعرف تقلبات جيوسياسية حادة.
رابعًا: الدبلوماسية المغربية… نجاح قائم على رؤية وبناء
يعكس هذا التطور ثمار عمل دبلوماسي متوازن اعتمد الواقعية والوضوح، وحشد دعمًا دوليًا غير مسبوق تُرجم عبر:
- افتتاح قنصليات عربية وإفريقية في الأقاليم الجنوبية
- مواقف داعمة من قوى دولية كبرى
- تقارير أممية تعترف بجهود التنمية في الصحراء
وقد تحوّلت الأقاليم الجنوبية إلى فضاء تنموي يرتكز على مشاريع كبرى، مما عزز قناعة المجتمع الدولي بأن الحل السياسي يجب أن يراعي هذه الدينامية.
خامسًا: رهان المستقبل
إن قرار مجلس الأمن ليس مجرد إعلان مواقف، بل انطلاقة لمرحلة جديدة من التفاوض على أساس واضح.
وهذه المرحلة تتطلب من جميع الأطراف:
- تجنب الخطابات التصعيدية
- الانخراط في الحوار دون شروط مسبق
كما يفتح القرار الباب أمام تعزيز دور المغرب كشريك استراتيجي في الأمن الإقليمي، بما يرسخ التعاون بدل التوتر.
لقد أكد القرار الأممي أن العالم أصبح أكثر إدراكًا لحقيقة النزاع، وأكثر اقتناعًا بأن المبادرة المغربية تمثل الطريق الوحيد نحو حل متوازن ومستدام.
إنه انتصار للدبلوماسية العقلانية، وللعمل الميداني، ولإرادة الدولة المغربية في الدفاع عن وحدتها الترابية بثقة، ومن دون انغلاق أو تعنت.
ما جرى ليس حدثًا تقنيًا، بل تحوّل بنيوي يعيد توجيه البوصلة السياسية لهذا الملف نحو عقلانية جديدة، تُخرج النقاش من منطق الشعارات إلى أرضية الحلول الممكنة.

تعليقات