آخر الأخبار

رقمنة النقل في اختبار «الكَان».. هل تتفوَّق التطبيقات على التاكسي التقليدي؟

مع انطلاق منافسات كأس أمم إفريقيا، تدخل المدن المغربية سباقاً ضد الزمن لمواجهة اختبار حقيقي في منظومة النقل الحضري. إذ إن التدفق الجماهيري المرتقب يضع خدمات التنقل تحت المجهر، فيما يُوازن المستخدمون بين وسائل النقل التقليدية، مثل سيارات الأجرة المعروفة، وبين البدائل الرقمية الحديثة التي تعمل عبر التطبيقات. ففي الوقت الذي تستعد فيه المدن لاستقبال أعداد ضخمة من الزوار، تصبح كفاءة النقل أحد مقاييس نجاح الاستضافة أو إخفاقها.

وتشهد تطبيقات النقل الخاصة ارتفاعاً ملحوظاً في الإقبال، خاصة من قِبَل الوافدين الذين يفضّلون مرونتها في التنقل بين الملاعب والفنادق. فمن خلال حجز في لمحة، يتجنب الزبائن الانتظار الطويل أو غموض الأسعار. هذا التوجه يتماشى مع ما تُظهره الدراسات حول انتشار خدمات النقل الرقمية في إفريقيا، والشركات العاملة في هذا المجال. وفي المقابل، يستعد سائقو سيارات الأجرة التقليدية لمواجهة هذه المنافسة، مع استعدادهم لذروة الموسم. فسيارات الأجرة التقليدية في المدن تُعدّ أحد الأعمدة الأساسية للنقل الحضري، لكنها تواجه تحديات متزايدة في العصر الرقمي.

وفي ضوء هذه المعركة بين القديم والحديث، تبرز دعوات للتكيّف مع التحول الرقمي كخيار لا مفرّ منه. فأصبح الحفاظ على مرونة النقل، وسرعة الاستجابة، وتوظيف التكنولوجيا، مطلباً ليس فقط للمستخدم، بل أيضاً للمدن والسلطات. ومع ذلك، هناك تأكيد قوي على ضرورة الحفاظ على حرية اختيار المستهلك – أي ألا يُحصَر المستخدم في خيار واحد، بل تبقى المنافسة مفتوحة. وهنا يظهر جدل حول آليات تحقيق منافسة عادلة بين القطاعين: كيف تتحكّم السلطات في هذه التطبيقات؟ كيف توازن بين تنظيم التاكسي التقليدي والتطبيقات؟

من جهة أخرى، تتصاعد تحذيرات من مخاطر النقل غير المهيكل، حيث يُطرح السؤال حول مدى التزام تطبيقات النقل الجديدة بالمعايير نفسها التي تلتزم بها سيارات الأجرة التقليدية – من حيث التراخيص، والتأمين، والمراقبة الأمنية، وحماية المستخدمين. فمثلاً، تخضع سيارات الأجرة التقليدية لرقابة أمنية صارمة، بينما تثير التطبيقات تساؤلات حول مدى سلامة المستخدمين والسائقين، وقد تتفاوت الإجراءات التنظيمية من دولة إلى أخرى.

هذا الصدام بين النموذجين يعكس تحديات أكبر في موازنة متطلبات التحديث من جهة، وضرورات الحماية والتنظيم من جهة أخرى. فقدرة المدن المضيفة على استيعاب التدفق الجماهيري مع الحفاظ على معايير السلامة والجودة تُعدّ اختباراً حقيقياً. كما أن تجربة المدن الإفريقية تُظهر أن البيانات، وأساليب الرقمنة، والذكاء الاصطناعي بدأت تلعب دوراً محورياً في تحسين النقل الحضري، لكن التحديات التقنية والبيروقراطية لا تزال قائمة.

من جهة أخرى، فإن دخول التطبيقات الرقمية للنقل لا يعني بالضرورة استبدال التاكسي التقليدي فوراً، بل إنه يعيد تشكيل المشهد في الغالب. فهناك خدمات النقل غير المهيكل – تلك التي كانت تعمل خارج الأطر التنظيمية الصارمة – وقد بدأت أيضاً في الانخراط في الرقمنة. هذا الواقع يطرح أسئلة: هل يتحوّل التاكسي التقليدي إلى نموذج رقمي؟ هل تعمل السلطات على دمج التطبيقات في منظومة النقل العام؟ وكيف يمكن تحقيق تكامل بين النقل العام، وسيارات الأجرة، والتطبيقات، في ظل حدث كبير مثل «الكَان»؟

ولكي تفوز المدن بهذا السباق، لا يكفي وجود التطبيقات وحدها، بل يلزم وجود بنية تحتية رقمية قوية، وبنية تحتية للنقل، وتنظيم إداري فعّال، وثقافة استخدام التقنية لدى المستخدمين. ففي إفريقيا مثلاً، يُقلّل نقص البيانات أو ضعف مشاركتها بين الجهات من فعالية الرقمنة. وبالتالي، في المغرب، ومع انطلاق «الكَان»، يصبح التحمس المبكر مهماً، من حيث تحديث أسطول سيارات الأجرة، وتدريب السائقين على استخدام التطبيقات أو التعامل مع التكنولوجيا، وضمان أن تكون التطبيقات آمنة وموثوقة.

في الختام، يبقى السؤال: هل ستتفوّق التطبيقات فعلاً على التاكسي التقليدي خلال هذا الحدث، أم أن الاثنين سيبقيان متكاملين؟ هل ستكون التطبيقات الخيار الأبرز للمستخدم، أم أن التاكسي التقليدي سيحتفظ بمكانته بفضل قربه من المستخدم المحلي، وخبرته، ووجوده الميداني؟ على أي حال، ما يحدث هو تحوّل في منظومة النقل، وتحوّل كهذا لا يعني قطيعة كاملة، بل إنه يعيد في الغالب تشكيل المنظومة وتحديد الأدوار والمناهج في النقل الحضري.

ومهما يكن السيناريو، فإن النجاح في هذا الاختبار – اختبار «الكَان» – سيكون له دلالات تتجاوز الرياضة، فقد يكون مقياساً لقدرة المدن المغربية على التحوّل الرقمي، وتقديم خدمة مواطنة عالية الجودة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على التنوع والعدالة في الاختيار للمستخدم.

المقال التالي