حملة رقمية معادية للمغرب… تورط حسابات أجنبية وتنكر خلف هويات مغربية

في هزة رقمية كشفت المستور، بدأت خيوط مؤامرة إلكترونية واسعة النطاق تتكشف للعلن، محدثةً شرخاً في جدار الصمت الذي أحاط بحملات التضليل المنهجي. فبفضل تحديث تقني دقيق على منصة «إكس» تم تفعيله يوم السبت من الشهر الجاري، سقطت الأقنعة عن شبكة معقدة ومترابطة من الحسابات التي كانت تشن هجوماً منظماً لا هوادة فيه على المغرب. لم يكن الأمر مجرد صدفة، بل كشف تحقيق لـ «مغرب تايمز» أن هذه الحرب لا تُدار من الداخل المغربي كما كان يُروج، بل تُحرّكها خيوط ماكرة تمتد من عواصم إقليمية، لكل منها أجنداتها الخاصة وحساباتها السياسية.
الجبهة الأولى والأكثر توقعاً كانت الجزائر، التي تشكل الخلفية اللوجستية والمنطلق الرئيسي لعدد كبير من هذه الحسابات الناشطة. وهذا التطور لا يخرج عن سياق الصراع السياسي الممتد بين البلدين، حيث تحولت المنصات الرقمية إلى واجهة جديدة لمعركة قديمة، باتت فيها الشائعات والأخبار الكاذبة وقوداً لتصفية الحسابات. لكن الأكثر خطورة في هذا السياق هو اكتشاف صفحات وحسابات تنتحل هويات شبابية مغربية، في استراتيجية تخريب تهدف إلى زرع الفتنة في الداخل.
فقد كشف تحقيق «مغرب تايمز» عن وجود صفحات وحسابات ظهرت بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، متخذةً من مسميات شبابية مثل «جيل زد» وغيرها، وهي تدّعي بحماس أنها تمثل هموم وأصوات المغاربة الشباب الساخطين. في الواقع، وبفضل البيانات الجديدة، تبين أن هذه الحسابات تُدار من بعيد، وتحديداً من كندا، في محاولة واضحة وخبيثة لاختراق الرأي العام الداخلي وبث بذور الفرقة واليأس من خارج الحدود، مستغلةً اسم جيل بريء لتحقيق أهداف سياسية معروفة.
المفاجأة الكبرى، والتي شكلت منعطفاً حاسماً في التحقيق، كانت في الدوحة. فبينما كان التركيز على الجبهة الجزائرية، كشف التحقيق عن وجود بؤرة نشطة ومؤثرة أخرى في قطر، حيث يقيم ناشطون بارزون يتبنون خطاباً معادياً للمغرب بشكل علني وصارخ. هذا الاكتشاف طرح علامات استفهام كبيرة حول دوافع هذه الهجمات المنظمة، وحجم الدعم اللوجستي والسياسي الذي قد تحظى به هذه الحسابات لتتمكن من العمل بهذه الحرية والجرأة.
على رأس هذه البؤرة القطرية تبرز الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، التي تحول حسابها إلى منصة لهجوم غير مسبوق. يظهر التحقيق أنها لم تكتفِ بالنقد السياسي المعتاد، بل تجاوزت ذلك لتوجه اتهامات شخصية ومباشرة إلى الملك محمد السادس، والأخطر من ذلك أنها دعت علناً إلى اقتحام القصر الملكي من مقر إقامتها في الدوحة، وهو تصعيد خطير يتجاوز مجرد الرأي الحر ويدخل في باب التحريض المباشر على زعزعة أمن دولة.
وينطبق نفس النموذج التحريضي على حساب موقع «وطن» الإعلامي، الذي يديره الناشط السوري نظام مهداوي من قطر أيضاً. فقد تم تحويل هذا الحساب إلى ما يشبه آلة حربية إعلامية، لا تتوقف عن نشر الشتائم والإهانات والتزويرات الموجهة ضد المملكة ومؤسساتها. إنه نهج منهجي يهدف إلى تشويه صورة المغرب بشكل دائم عبر خلق محتوى سلبي سام، يتجاوز حدود النقد الموضوعي إلى التشهير المنظم.
وبدأت ملامح الذعر تظهر على وجوه مديري هذه الحسابات بعد انكشاف الحقيقة كاملة للعلن. فلجأوا إلى محاولة يائسة ومتأخرة لإخفاء هوياتهم، حيث قاموا باستبدال موقعهم الجغرافي المعروض على منصة «إكس» بموقع فضفاض هو «غرب آسيا»، وهي خدمة توفرها المنصة حالياً للمستخدمين الذين يرغبون في الخصوصية. لكن هذه الخطوة جاءت متأخرة جداً وفشلت في تحقيق هدفها.
فقد تمكن نشطاء ومتابعون من توثيق مواقعهم الأصلية وتداول اللقطات الدالة على ذلك على نطاق واسع، قبل أن يتمكنوا من إجراء التغيير. هذا الإجراء لم ينجح في إخفاء الحقيقة، بل أضاف دليلاً جديداً على سوء نواياهم، محولاً التهمة التي كانوا يطلقونها باستمرار على كل صوت مؤيد للمغرب، بوصفه «حساباً صهيونياً» أو «مدفوعاً من الموساد»، إلى مادة للسخرية والاستهزاء عادت عليهم بقوة.
ولم تقتصر الحملة الممنهجة على الهجمات الشخصية الموجهة إلى الرموز، بل امتدت إلى بناء روايات كاذبة ومتكررة حول أوضاع المغرب. فقد تم نشر أخبار ملفقة حول «انهيار اقتصادي» وشيك في المملكة، أو «ثورة جوع» محتملة، أو حتى «انفصال وشيك» في كل من الصحراء والريف. إن تَكَرُّر هذه الأساطير بنفس الرواية والأسلوب يؤكد وجود مركز قيادة وتوجيه موحد.
إن هذا النسق المتشابه في الرسائل يهدف إلى بث اليأس في نفوس المواطنين وزعزعة الاستقرار، وتحويل النقاش العام إلى مجرد ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية على حساب صورة ووحدة المغرب. إنها حرب نفسية بامتياز، تُشَن باستخدام أدوات العصر الرقمي لتحقيق أهداف سياسية قديمة.
قانونياً، يضع هذا الانكشاف المدوّي مديري هذه الحسابات في مأزق حقيقي وخطير، خاصة أولئك المقيمين على الأراضي القطرية. فالقانون القطري، وعلى رأسه قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية المرقم (14) لسنة 2014، صارم للغاية ولا يميز بين مُرتكب الجريمة وجنسيته عند تطبيق العقوبة.
حيث ينص القانون على عقوبات قاسية تصل إلى 5 سنوات سجناً وغرامات مالية باهظة قد تصل إلى 100 ألف ريال قطري. والأهم من ذلك، أنه في حق الوافدين الذين يشكلون غالبية سكان قطر، يُطبق حكم الترحيل الفوري بعد قضاء مدة العقوبة، مع فقدان حق الإقامة ومنع العودة إلى الأراضي القطرية مرة أخرى.
يبقى السؤال الأهم الذي يطرحه هذا التحقيق في نهاية المطاف: هل سيتم تطبيق هذا القانون الصارم على الجميع دون استثناء؟ أم أن الاعتبارات السياسية والتحالفات الإقليمية ستطغى على نصوص القانون، لتجعل من هذه الفضيحة الرقمية مجرد حلقة عابرة في صراع إقليمي معقد لا يزال مشتعلاً؟ الجواب سيكشف الكثير عن حقيقة العدالة في المنطقة.








تعليقات