آخر الأخبار

“سانشيز” يشرف على تدشين مشاريع جديدة في سبتة

في خطوة تُقرَأ في إطار التصعيد السياسي، قام رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، اليوم الخميس، بزيارة رسمية إلى مدينة سبتة، حيث أشرف على تدشين سلسلة من المشاريع الاستراتيجية. وجاءت الزيارة، التي تعد الرابعة لسانشيز إلى المدينة منذ توليه منصبه، في توقيت بالغ الحساسية، حاملةً رسائل سياسية واضحة إلى الرباط، فيما يبدو كتحدٍ للحساسية التاريخية التي طالما أحاطت بملف السيادة على المدينتين السليبتين. ويُذكر أن الرؤساء الإسبان السابقين كانوا يتجنبون القيام بزيارة سبتة لأسباب سياسية، لتفادي أي تصعيد قد يؤثر سلبًا على العلاقات مع المغرب.

ركزت الزيارة على تدشين مشاريع تهدف إلى تعزيز الربط بين سبتة والبر الإسباني، وتأمين وضعها كمنطقة نفوذ إسباني. وشملت أبرز هذه المشاريع المحطة البحرية الجديدة، التي تُعد جزءًا من خطة أوسع لتعزيز الربط البحري عبر مضيق جبل طارق، بهدف زيادة كفاءة وتكرار الرحلات بين سبتة والموانئ الإسبانية. كما شملت محطة “فيرخين دي إفريقيا” الكهربائية، وهي أول محطة في شبكة النقل الكهربائي مصممة لربط سبتة مباشرة بالشبكة الكهربائية الإسبانية الرئيسية. ومن المتوقع أن يسهم هذا المشروع في تأمين إمدادات الطاقة للمدينة وتخفيض تكاليفها، مما يعزز من اعتماديتها الاقتصادية على إسبانيا.

هذه المشاريع، ذات الطابع الاقتصادي والخدماتي، تُترجم على الأرض إلى خطوات عملية لتعزيز السيادة الإسبانية المادية على الأرض، وهو ما يتجاوز مجرد الخطابات السياسية. إن استثمار مدريد في تطوير البنى التحتية الحيوية للمدينة يهدف إلى ترسيخ واقع جديد يصعب التراجع عنه، ويُرسخ التبعية الوظيفية لسبتة إلى إسبانيا.

وتمثل هذه الزيارة انزياحًا ملحوظًا عن النهج الدبلوماسي الحذر الذي اتبعته الحكومات الإسبانية السابقة. فقد كانت مثل هذه الزيارات الرسمية تتم في السابق بتكتم نسبي، أو في سياقات لا تُظهر الاحتفالية العلنية، تجنبًا لإثارة حفيظة الجارة الجنوبية. اختيار سانشيز القيام بالزيارة في هذا التوقيت، والإعلان عنها بشكل واضح، مع الإشراف شخصيًا على تدشين مشاريع حيوية، يشير إلى تغيير في الحسابات الإستراتيجية الإسبانية، وقد يكون محاولة لاختبار رد الفعل المغربي أو تأكيدًا لموقف أكثر صلابة في ملف السيادة.

من جهته، لا يزال المغرب متمسكًا بموقفه التاريخي الذي يعتبر سبتة ومليلية جزءًا لا يتجزأ من أراضيه، ويصنفهما كمحتلتين. وعليه، فإن أي إجراء إسباني يهدف إلى تعزيز الوجود فيهما يُنظر إليه من الرباط على أنه استفزاز واستمرار لسياسة الأمر الواقع. هذه الزيارة، وبالأخص طبيعة المشاريع التي تم تدشينها، ستُضاف إلى سجل الملفات العالقة بين البلدين، مما قد يزيد من توترات العلاقات الثنائية في فترة تحتاج فيها كلا الطرفين إلى تعاون وثيق في قضايا ذات اهتمام مشترك مثل الهجرة غير النظامية والأمن الإقليمي.

يبدو أن زيارة سانشيز إلى سبتة تتجاوز مجرد افتتاح مشاريع تنموية، لتصبح مؤشراً على تحول دبلوماسي وإستراتيجي. بينما تسعى إسبانيا إلى ترسيخ واقعها في سبتة من خلال الاستثمار في البنى التحتية الحيوية، يبقى المغرب راسخًا في موقفه المبدئي بشأن السيادة. هذا التقاطع بين سياسات الأمر الواقع والمطالب التاريخية يضع العلاقات بين البلدين أمام اختبار جديد، حيث تهدد هذه الخطوة بتعطيل مسار التعاون الثنائي في قضايا مصيرية أخرى.

المقال التالي