آخر الأخبار

بين دفات التصدير ودفاتر العطش.. “الدلاح” يروي الأسواق ويجفف واحات الجنوب

يُصنف المغرب اليوم بين عمالقة تصدير البطيخ “الدلاح” عالمياً، حيث يحتل المرتبة السادسة بقيمة تجارية تجاوزت 109 ملايين دولار سنوياً. وتكشف البيانات المتوفرة عن تفرد المملكة بتمثيل المنتج العربي الوحيد في قائمة تضم كل من إسبانيا والمكسيك وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وهولندا.

إلا أن هذا الصعود التجاري الملفت يخفي وراءه أزمة بيئية متفاقمة في الجنوب الشرقي للمملكة، حيث تدفع واحات الجنوب ثمناً باهظاً من المياه. فقد تحولت زراعة البطيخ من موسمية تقليدية إلى مدارية مستدامة، مما ضاعف الضغط على الخزانات الجوفية في مناطق تعاني أساساً من الإجهاد المائي.

وتكشف الدراسات الميدانية أن زراعة “الدلاح الأحمر” تستنزف سنوياً ملايين الأمتار المكعبة من المياه الجوفية، بما يفوق قدرة الطبقات المائية على التعويض الطبيعي. ويحذر تقرير صادر عن معهد “هنريش بول” من أن هذا التحول الإنتاجي يحقق مكاسب تجارية عاجلة على حساب استدامة المورد المائي، مشيراً إلى هيمنة شركات كبرى على مسالك التوزيع والتصدير.

ويظهر تحليل دقيق من المعهد المغربي لتحليل السياسات قفزة هائلة في المساحات المزروعة، حيث ارتفعت من هكتارين فقط في سنة 2007 إلى عشرين ألف هكتار بحلول سنة 2017. وقد ترتب عن هذا التوسع غير المسبوق زيادة كبيرة في سحوبات المياه، حيث ارتفعت من خمسة ملايين متر مكعب سنة 2014 إلى أكثر من 12 مليون متر مكعب سنة 2017.

وتتجلى تداعيات هذه الأزمة بوضوح في إقليم زاكورة، حيث تراجعت القدرة الإنتاجية للمياه الجوفية من 1.8 مليون متر مكعب سنة 2005 إلى 700 ألف متر مكعب في 2018. كما أدى الاستنزاف المفرط إلى جفاف أربعة آبار من أصل أحد عشر بئراً كانت تزود المنطقة، مما دفع بأعماق الآبار إلى مستويات قياسية ناهزت 200 متر.

أدى هذا الوضع إلى تحولات مجتمعية وبيئية عميقة، تمثلت في اعتماد العديد من القرى على توزيع المياه بواسطة الصهاريج، وتراجع مساحات بساتين النخيل التقليدية، وفقدان العديد من الفلاحين لمصادر رزقهم في إقليم يشكل الفلاحون 80% من سكانه.

وبينما يحتفي المغرب بإنجازاته التصديرية، يبقى السؤال مطروحاً بإلحاح: كيف يمكن تحقيق التوازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية وضرورات الحفاظ على الموارد المائية للأجيال القادمة في جنوب المملكة؟ وهذا يستدعي إعادة نظر شاملة في النموذج الزراعي القائم.

المقال التالي