آخر الأخبار

حسن الدرهم: كل شبر من المملكة يدخل في صلب المشروع الوطني

بصفتي نائب رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، وعضوا بجهة العيون الساقية الحمراء، أجد لزاما عليّ أن أوضح للرأي العام الوطني أن ما صدر عن رئيس جهة العيون الساقية الحمراء في آخر خرجة إعلامية له لا يمثلنا ولا يعكس الموقف المؤسساتي الذي نلتزم به. بل هو فصل جديد من سلسلة زلات سياسية متكررة للسيد الرئيس.

تصريح يعاكس الوحدة الوطنية ويزرع الفرقة في زمن نحتاج فيه إلى صوت الدولة لا ضجيج المصالح

في الوقت الذي رسخ فيه جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، من خلال عيد الوحدة الوطنية ليوم 31 أكتوبر، رؤية ملكية واضحة عنوانها الوحدة، الاندماج الترابي، وتكامل الجهات في إطار مشروع الحكم الذاتي، يخرج رئيس جهة العيون الساقية الحمراء يوم 17 نونبر بتصريح صادم يعتبر فيه أن جهة وادنون غير معنية بالحكم الذاتي، في تناقض صارخ مع روح الوحدة التي يجسدها العيد الوطني الجديد ومع الخطاب الملكي المتواتر منذ سنوات.

إن ما قاله السيد رئيس جهة العيون الساقية الحمراء ليس زلة لسان و فقط، بل انزلاق سياسي خطير يحمل في طياته نزعة إقصائية تمس جوهر المشروع الوطني في الصحراء المغربية، وتضرب في العمق التوازن الجهوي الذي تشتغل عليه الدولة منذ إطلاق ورش الجهوية المتقدمة. والأخطر أنّ التصريح جاء بعبارات تستبطن أبعادا قبلية وأهلية لا مكان لها في الدولة الحديثة ولا في مغرب 2025 الذي يقوده صاحب الجلالة بثبات نحو نموذج تنموي جديد يقوم على المساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص.

من 31 أكتوبر إلى 17 نونبر بين عيد للوحدة ونداء التفرقة

إذا كان يوم 31 أكتوبر قد خلد كعيد للوحدة الوطنية، تأكيدا على أن كل شبر من المملكة يدخل في صلب المشروع الوطني، فإن يوم 17 نونبر 2025 بتصريح رئيس الجهة يمكن أن يسجل كيوم التفرقة والشرذمة والإقصاء، لأنه ببساطة يناقض المبادئ التي جمعت المغاربة حول مشروع الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد للنزاع المفتعل.

إن اعتبار وادنون خارج الحكم الذاتي لا يمس فقط الجهة وأهلها، بل يمس بنيوية المشروع الوطني الذي يؤكد منذ البداية على أن الحل شامل ومتكامل، وأن الأقاليم الجنوبية وحدة ترابية واحدة مترابطة سياسيا وتنمويا واستراتيجيا.

محاولة إقصاء وادنون إساءة للدولة قبل أن يكون إساءة لساكنتها

أهل وادنون لم يكونوا يوما عبئا على الوطن، بل كانوا خط الدفاع الأول في كثير من المحطات، وما تزال المنطقة شاهدة على رجال ونساء قدموا الكثير للقضية الوطنية. وبالتالي، فالتشكيك في موقعهم أو التشويش على دورهم داخل منظومة الحكم الذاتي، هو انحراف خطير يفتح الباب أمام التأويلات الخاطئة ويغذي أطرافا لا تريد خيرا بالوحدة الترابية للمملكة.

البلاد في حاجة إلى صوت العقل لا إلى مواقف طائشة

نعيش اليوم ظرفا إقليميا ودوليا حساسا، وفي لحظة تعزز فيها المملكة حضورها الدبلوماسي بقوة داخل الأمم المتحدة، لا نحتاج إلى خرجات سياسية تربك المشهد وتقدم مادة مجانية للخصوم. نحتاج إلى خطاب مسؤول، رصين، يعكس وحدة الصف الوطني، ويعبر عن عمق التلاحم بين الجهات، لا إلى تصريحات شخصية قد تؤثر سلباً على الجهود الوطنية المبذولة.

الوحدة الترابية للمملكة ليست مجالا للمزايدات السياسية، ولا منصة لخلق تقسيمات بديلة، ولا مسرحا لمحاولات بسط الهيمنة الجهوية.
الوحدة خيار دولة وليس رأيا لفرد قصير النظر، والحكم الذاتي مشروع ملك وليس بيد أي جهة لتقرر من يدخل ومن يقصى.

وجدير بالذكر أن ما صدر يوم 17 نونبر ليس حادثا معزولا، بل حلقة جديدة في سلسلة زلات لسان وتصريحات غير مسؤولة لرئيس الجهة، كان آخرها قوله في لقاء حزبي بمدينة السمارة إن الله لم يساوِ أحدا بهم. وهي عبارات لا تسيء فقط إلى قيم الدولة، بل تسائل أهلية من يتولى مسؤولية جهوية بهذا الحجم، وتذكر الجميع بأن صيانة الوحدة الوطنية مسؤولية أخلاقية وسياسية لا تحتمل الهفوات ولا النزعات الفردية.

المقال التالي