آخر الأخبار

من بلاد المهجر إلى الوطن: تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية ضمن إطار السيادة الوطنية

عبد الله مشنون
كاتب صحفي ومحلل سياسي مقيم في إيطاليا ،
مهتم بالشؤون العربية، قضايا الهجرة وحقوق الإنسان.
يعكف على متابعة وتحليل الأحداث العربية والدولية،
مع تعزيز قيم الحوار، التسامح، والتعايش بين الثقافات.

  • الجالية المغربية كفاعل وطني
    بكل معاني الولاء والإخلاص، وبكل ما تحمله جاليتنا في قلوبها من تقدير عميق لمولانا صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نرفع إلى المقام السامي هذا البيان الذي ينبع من غيرتنا الوطنية وواجبنا الجماعي كمغاربة يعيشون في المهجر، ونحن نتابع بدقة كل ما يجري في الساحة السياسية الوطنية، مؤمنين إيماناً راسخاً بأن نهضة الوطن مسؤولية مشتركة بين جميع أبنائه داخل البلاد وخارجها.
    لقد تابعنا، كما تابع كل المغاربة الأحرار، اللقاء الهام الذي جمع مستشاري جلالتكم برؤساء الأحزاب السياسية المغربية، وفق بلاغ الديوان الملكي، والذي دعتُم فيه جلالتكم إلى تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، في إطار مقاربة جديدة تكرّس روح التشاور والمسؤولية الوطنية، والالتفاف حول مشروع الدولة الحديثة.
    إن الإشارة الواردة في بلاغ الديوان الملكي إلى “تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، ضمن إطار السيادة الوطنية”، تعكس بدقة أن المغرب لا ينطلق من فراغ مؤسساتي أو سياسي، بل من مشروع متكامل سبق أن حظي باعتراف دولي واسع منذ تقديمه سنة 2007. فالتحيين يمثل عملية تكييف وتطوير للمبادرة الأصلية بما يواكب المستجدات الإقليمية والدولية، ويعزز فعاليتها القانونية والسياسية، دون المساس بجوهرها القائم على سيادة المغرب ووحدته الترابية. أما التفصيل فيعني الانتقال من مستوى المبادئ العامة إلى بناء هندسة تنفيذية دقيقة، تحدد الصلاحيات وآليات التدبير الذاتي، في أفق تنزيل عملي ومنسجم مع النموذج المغربي للجهوية المتقدمة.
    إن تتبع مستجدات القضية الوطنية الأولى يكشف عن اهتمام بالغ بالواقع القائم في الأقاليم الجنوبية. وهذا الواقع لا يشكل سقفاً محدداً للحكم الذاتي، بل يمثل إطاراً مرناً يمكن البناء عليه لتفصيل المبادرة ضمن خصوصيات مغربية محضة، في ظل التأكيدات المتكررة على السيادة الوطنية والهوية المغربية للأقاليم الجنوبية.
    ومن منطلق وطني خالص، وبتوفيق من الله عز وجل، وبتوجيهات النهج الملكي الحكيم في الانفتاح على كل الكفاءات الوطنية داخل الوطن وخارجه، تشعر جاليتنا بأن من واجبها المساهمة بجهودها الجماعية في هذا الورش الوطني الكبير. لقد عملت الجالية، بتوفيق من الله، على دعم تحيين وتفصيل تصور متكامل للحكم الذاتي بالصحراء المغربية، يستند إلى المرجعية الدستورية للمملكة، وإلى دراسة قانونية معمقة للأنظمة الذاتية المقارنة، مع مراعاة الخصوصيات التاريخية والاجتماعية والثقافية للأقاليم الجنوبية.
    وتتجسد مساهمة مغاربة العالم في النقاش الوطني حول الحكم الذاتي في الجوانب التالية:
    أولاً: توظيف الخبرات الدولية المتراكمة لأفراد الجالية في مجالات القانون الدولي، والإدارة المحلية، والتنمية الجهوية، للمساهمة في بناء النموذج التنفيذي الأمثل للحكم الذاتي.
    ثانياً: تعزيز الدبلوماسية الموازية من خلال شرح وتوضيح مزايا المبادرة المغربية في دول الإقامة، والمساهمة في كسب التأييد الدولي الإضافي لها.
    ثالثاً: الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في مجال الحكم الذاتي واللاتمركز، مع تكييفها مع الخصوصيات المحلية للأقاليم الجنوبية.
    رابعاً: المساهمة في مشاريع التنمية المستدامة بالأقاليم الجنوبية، من خلال استثمارات أبناء الجالية ونقل الخبرات التقنية المتطورة.
    مولاي صاحب الجلالة،
    إن مبادرتكم الحكيمة لفتح نقاش وطني حول تحيين وتفصيل تصور الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، تشكل منعطفاً تاريخياً في مسار تثبيت الوحدة الترابية وبناء دولة الجهات المتقدمة. وإن إشراك الأحزاب السياسية في بلورة هذا النموذج يعكس عمق رؤيتكم الديمقراطية التي تقوم على الشراكة الوطنية الشاملة، وتؤكد أن المشروع الملكي لا يستثني أحداً، بل يجعل من كل مغربي، داخل الوطن وخارجه، طرفاً في البناء.
    إن النموذج المغربي للحكم الذاتي، الذي تفضلتم بطرحه منذ سنة 2007 كحل واقعي وذي مصداقية للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، أثبت للعالم أنه مشروع سلام وتنمية واستقرار، وأنه يستمد قوته من شرعيته الدستورية وعمقه الشعبي. وقد تجلى هذا في التأييد الدولي المتزايد للمبادرة، حيث اعترفت العديد من الدول بها كأساس جاد وذى مصداقية للحل.
    إن الرؤية الملكية المتبصرة جعلت من الصحراء المغربية بوابة للتنمية الإفريقية، ومن الوحدة الترابية ركيزة لاستقرار المنطقة بأسرها. ولذلك فإن تعزيز مشروع الحكم الذاتي يعد اليوم واجباً وطنياً واستراتيجياً لكل من يؤمن بالمغرب الموحد، المتجدد، المنفتح، والحداثي.
    إن تحقيق التوازن العضوي بين الواقع الميداني، والتوجيهات الملكية، والمشاركة الدولية والمغاربية الواسعة، يظل تحدياً أساسياً في عملية التحين والتفصيل، مع الحفاظ الدائم على إطار السيادة الوطنية والخصوصيات المغربية. فالبناء القائم يشكل الإطار المرجعي للتشاور، وهو قاعدة يمكن البناء عليها لتقوية المبادرة على الصعيدين القانوني والسياسي داخلياً ودولياً.
    وفي الختام، تتشرف جاليتنا بأن تجدد لمولانا صاحب الجلالة الملك محمد السادس، باسم جميع المغاربة الأحرار في الداخل والخارج، الولاء الدائم والوفاء الصادق، وتعبر عن اعتزازها بالمسيرة التنموية والإصلاحية التي يقودها جلالتكم، وبحكمتكم التي جعلت المغرب نموذجاً في الاستقرار والريادة الإقليمية.
    ونرفع إلى مقامكم السامي دعاءنا الخالص بأن يحفظكم الله ذخراً للوطن، ويوفقكم لما فيه خير البلاد والعباد، ويديم عزكم وسدادكم، ويحقق على أيديكم ما تصبون إليه من رفعة ونماء للوطن العزيز.
المقال التالي