آخر الأخبار

لقاء ترامب والشرع: بداية مرحلة جديدة في العلاقات الأميركية – السورية؟

عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا

تترقب الأوساط السياسية والدبلوماسية حول العالم اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره السوري أحمد الشرع، والمقرر عقده الاثنين المقبل في البيت الأبيض، في خطوة مفاجئة تعيد الملف السوري إلى واجهة الاهتمام الدولي، ولكن هذه المرة من زاوية الحوار لا الصراع.

يُنظر إلى هذا اللقاء على أنه تحول لافت في مقاربة الإدارة الأميركية تجاه دمشق، خصوصًا بعد إعلان واشنطن نيتها مراجعة منظومة العقوبات المفروضة على سورية منذ سنوات، والتي شكّل “قانون قيصر” أبرز أدواتها. ويأتي هذا التحول بعد سلسلة من المؤشرات التي عكست رغبة البيت الأبيض في انتهاج سياسة “التواصل المباشر” بدل سياسة “العزل والضغط”.

المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أكدت أن الاجتماع “يأتي في إطار الجهود الدبلوماسية للرئيس ترامب من أجل تحقيق السلام”، مشيرة إلى أن رفع العقوبات عن سورية خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط كان “خطوة تاريخية” في هذا الاتجاه.
هذه التصريحات، وإن بدت حذرة، تكشف عن نية واشنطن فتح صفحة جديدة مع دمشق، تقوم على الحوار والتفاهمات، بعيدًا عن لغة الإملاءات التي سادت في السنوات السابقة.

زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة تُعد الأولى من نوعها منذ استقلال سورية سنة 1946، ما يجعلها حدثًا استثنائيًا على الصعيدين الرمزي والسياسي. فبعد أكثر من عقد من العزلة والعقوبات والقطيعة، تبدو دمشق أمام اختبار جديد لإعادة صياغة علاقاتها مع الغرب، واستعادة موقعها في النظام الدولي، وفق رؤية أكثر براغماتية ومرونة.

في المقابل، يرى مراقبون أن إدارة ترامب تسعى من خلال هذا اللقاء إلى إعادة ترتيب التوازنات في الشرق الأوسط، خصوصًا في ظل تراجع الدور التقليدي لواشنطن في ملفات المنطقة، واشتداد المنافسة الجيوسياسية مع روسيا والصين. ومن ثم، فإن الحوار مع دمشق قد يشكّل مدخلًا لإعادة النفوذ الأميركي في الساحة السورية عبر المسار الدبلوماسي.

من المنتظر أن يتصدر ملف رفع العقوبات الأميركية جدول أعمال المباحثات، خاصة بعد إعلان واشنطن دعمها لمبادرة إلغاء “قانون قيصر”، الذي أقرّه الكونغرس عام 2019 لمعاقبة أركان نظام بشار الأسد على انتهاكات ارتُكبت خلال الحرب.
ورغم أن القانون كان موجهًا ضد النظام السابق، إلا أن استمراره بعد انتهاء تلك المرحلة ألقى بظلال ثقيلة على الاقتصاد السوري، مما زاد من معاناة المواطنين وأعاق فرص التعافي وإعادة الإعمار.

يبقى السؤال الأبرز: هل يشكل هذا اللقاء بداية لمسار تطبيع شامل بين واشنطن ودمشق، أم أنه مجرد محطة دبلوماسية محدودة ضمن حسابات ظرفية لإدارة ترامب؟
المراقبون يختلفون في الإجابة، لكن ما يبدو مؤكدًا أن اللقاء نفسه يحمل رمزية كبيرة، كونه يعيد فتح قنوات الحوار بعد عقود من القطيعة، ويبعث برسالة مفادها أن السياسة لا تعرف المستحيل، وأن لغة المصالح قد تتغلب في النهاية على منطق العداء.

لقاء ترامب والشرع يمثل نقطة تحول محتملة في تاريخ العلاقات الأميركية – السورية.
قد لا تُغيّر الزيارة خريطة المنطقة بين ليلة وضحاها، لكنها بالتأكيد تفتح نافذة جديدة للحوار، وتعيد طرح السؤال الأهم: هل دخلت سورية مرحلة “الانفتاح الدولي” بعد سنوات من العزلة، أم أن الطريق لا يزال طويلًا ومليئًا بالتحديات؟

المقال التالي