آخر الأخبار

بنسعيد في قلب فضيحة “سرقة صناعية”.. “Dial-E” سيارة كهربائية أم عملية احتيال تكنولوجي؟

احتشد المسؤولون والإعلام في الثالث من الشهر الجاري، في مشهد احتفالي مهيب حول السيارة الكهربائية “Dial-E”، حيث تبادلوا التهاني بـ”الإنجاز التاريخي” تحت الأضواء الكاشفة. لكن وراء واجهة الاحتفاء هذه، كانت تفاصيل مثيرة للقلق تنتظر الكشف لتكشف عن فضيحة حقيقية: فما قُدّم للرأي العام على أنه أول سيارة مغربية صُنعت بالكامل، لم يكن في الحقيقة سوى نسخة مقلّدة من سيارة صينية رخيصة.

لم تكن صدمة الكشف عن هذه الحقيقة أقل من صدمة الاحتفاء نفسه، فقد كشفت التحقيقات البسيطة أن هذا “الإنجاز الوطني” لم يتعدَّ كونه مجرد عملية تجميع للسيارة الصينية “TodaySunshine M1-EV” المتوفرة في الأسواق العالمية منذ سنوات. وهنا بالضبط تكمن المفارقة المرة: التحول من خطاب “الصناعة الوطنية” إلى واقع “التجميع المحلي”، مما وسّع الفجوة بين الطموح الرسمي والحقيقة المرة.

ولتأكيد هذا التلاعب، تكفي مقارنة فنية بسيطة بين السيارتين، حيث تظهر أوجه التشابه كدليل لا يقبل الجدل. فمن الناحية التصميمية، نجد تطابقًا كاملاً في المصابيح الأمامية والخلفية، وشكل النوافذ، وهيكل الأبواب المنزلقة. أما عند التطرق إلى التصميم الداخلي، فإن الانطباق يتجلى بوضوح في لوحة القيادة والمقاعد وعجلة القيادة ومساحات التخزين. ولم تسلم المواصفات التقنية من هذا التقليد، حيث يسجل نطاق السير 150 كم للنسخة المغربية مقابل 160 كم للصينية، والسرعة القصوى 85 كم/ساعة مقابل 80 كم/ساعة.

في مواجهة هذه الأدلة الدامغة، اعترفت شركة “نيو موتورز” بأنها قامت بعملية “تجميع محلي” و”نقل تكنولوجي”، غير أنها امتنعت عن توضيح أن هذا المصطلح يعني في واقع الأمر استيراد سيارات شبه مكتملة أو أجزاء منفصلة من الصين، مع اقتصار التعديلات على أمور هامشية مثل تغيير الشعار وتحسين نظام الشحن.

وإذا كان التلاعب التقني صادمًا، فإن التلاعب المالي هو الأكثر إثارة للاستياء. فبينما تباع السيارة الصينية بسعر 6,000 دولار، تُباع النسخة المغربية بأكثر من 10,000 دولار. هذه الزيادة التي تصل إلى 67% لا يمكن تبريرها بأي قيمة مضافة حقيقية، مما يضعها في إطار الاستغلال التجاري الصريح.

ويبدو أن هذه الثغرة لم تكن الوحيدة التي تم استغلالها، فقد وظّفت الشركة نظام الإعفاءات الجمركية المخصص لدعم التصدير، والذي يسمح باستيراد المواد شبه المصنعة مع إعفاءات ضريبية لمعالجتها محليًا وإعادة تصديرها. غير أن المسار انحرف في هذه الحالة لتسويق المنتج محليًا بأسعار مبالغ فيها.

لتتكامل صورة الفضيحة، تبرز العلاقة بين الوزير مهدي بنسعيد والمشروع، حيث تُشير تقارير إلى أن الوزير يملك 50% من شركة “نيو موتورز”. هذه العلاقة تطرح تساؤلات حادة حول تضارب المصالح وتضع علامات استفهام كبيرة حول نزاهة العملية وشفافيتها.

لتتكامل حلقة التضليل، تم تسويق السيارة على أنها “أول سيارة كهربائية مغربية 100%”، بينما الحقيقة أنها مجرد عملية تجميع. هذا الادعاء لا يكرس صورة مغلوطة عن قدرة الصناعة المغربية على الابتكار فحسب، بل يضر بسمعة الشركات المحلية الجادة التي تعمل على تطوير منتجات حقيقية.

ختامًا، تؤكد عملية تقديم “Dial-E” نفسها كخداع واضح للجمهور المغربي. فمن خلال الجمع بين الأسعار غير المبررة، واستغلال الأنظمة الجمركية، وغياب الشفافية، تثير هذه القضية تساؤلات مصيرية حول نزاهة المشروع وأهدافه الحقيقية. وهو ما يفرض على الحكومة ووزارة الصناعة تحمّل مسؤوليتهما الكاملة في تنظيم وضبط مثل هذه المشاريع، وتوفير بيئة شفافة تدعم الصناعات المحلية الحقيقية، بدلاً من السماح بممارسات تثير الشكوك وتؤثر سلبًا على سمعة المغرب في السوق العالمية.

المقال التالي