نحو تقنين يحمي الأسرة والمجتمع: هل آن الأوان لإعادة النظر في آليات الطلاق؟

عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا
في السنوات الأخيرة، تحوّل الطلاق في المجتمعات العربية إلى ظاهرة اجتماعية مثيرة للقلق. فالأرقام في تزايد، والأسر تتفكك بوتيرة غير مسبوقة، فيما يقف المجتمع أمام مشهد يعكس أزمة عميقة في الوعي والالتزام والمسؤولية.
ورغم أن الطلاق في الإسلام حق شرعي مشروع يُلجأ إليه عند استحالة استمرار الحياة الزوجية، فإن الطريقة التي يُمارس بها اليوم تكشف عن خلل في فهم المقاصد الشرعية، وعن فجوة بين النص القرآني والواقع الاجتماعي.
- الميثاق الغليظ… يتحوّل إلى كلمة عابرة
يصف القرآن الكريم الزواج بأنه “ميثاق غليظ”، أي عقد يقوم على الرضا والمسؤولية والاحترام المتبادل. غير أن كثيرًا من حالات الطلاق المعاصرة تقع بلفظ انفعالي عابر، في لحظة غضب أو خلاف مؤقت، لتتحول إلى كارثة تمزق أسرة بأكملها.
وهنا تظهر الحاجة إلى إعادة النظر في آليات الطلاق، ليس لتقييده، بل لتنظيمه بما يحفظ كرامة الطرفين ويصون مصلحة الأطفال والمجتمع. - عندما يصبح التقنين ضرورة
النص القرآني لم يفرض شكلًا محددًا لإيقاع الطلاق، بل ترك مساحة للاجتهاد والتقنين بما يخدم المصلحة العامة. هذه المرونة تتيح للدول الإسلامية سنّ قوانين تضبط العملية، وتمنع الانفصال العاطفي المتسرّع. - تجارب عربية عديدة تثبت نجاح هذا التوجه:
 
- في تونس، لا يُنفّذ الطلاق إلا بحكم قضائي بعد جلسة استماع للطرفين.
 - في المغرب، يُحال الطلب إلى مكتب الأسرة لإجراء وساطة إلزامية قبل الفصل فيه.
 - في مصر، أُدخلت آليات قانونية مثل الطلاق للضرر والخلع لضمان العدالة بين الطرفين.
هذه النماذج تؤكد أن القانون لا يناقض الشريعة، بل يفعّل مقاصدها في حفظ الأسرة والحد من الظلم. 
- الطلاق في المهجر… أزمة مضاعفة
تنعكس الظاهرة أيضًا في أوساط الجاليات العربية المقيمة في أوروبا.
ففي إيطاليا، تشير البيانات الصادرة عن القنصليات المغربية إلى تزايد حالات الطلاق بين الأسر المهاجرة، نتيجة الضغوط الاقتصادية والثقافية واختلاف نمط الحياة.
وهذا يعني أن المشكلة لا ترتبط بالبيئة المحلية فقط، بل تمتد إلى سياقات الاغتراب حيث تضعف الروابط الاجتماعية والدعم الأسري، فتتعقّد الأزمات الزوجية بشكل أكبر. - أطفال بين الانفصال والضياع
تؤكد دراسات اجتماعية في مصر والأردن والمغرب أن الطلاق الانفعالي يترك آثارًا نفسية عميقة على الأطفال، أبرزها القلق، الاكتئاب، والتراجع الدراسي.
إنها ليست مجرد خلافات بين شخصين، بل زلزال عاطفي يضرب جيلًا كاملًا. ومن هنا تبرز ضرورة اعتماد آليات رسمية دقيقة لإيقاع الطلاق، تُتيح فرصة للصلح والتفكير قبل اتخاذ القرار النهائي. - نحو إصلاح منظومة الطلاق
من أبرز الخطوات العملية المقترحة: - إلزام الزوجين بحضور جلسة رسمية أمام جهة مختصة قبل تثبيت الطلاق.
 - فرض مرحلة وساطة إلزامية تقوم بها دوائر الإفتاء أو مكاتب الأسرة.
 - تعزيز التوعية المجتمعية بأن الطلاق ليس كلمة تُقال في لحظة، بل قرار له تبعات إنسانية وقانونية.
 - تقييد الطلاق العفوي قانونيًا في الحالات التي لا يتحقق فيها التوازن النفسي أو الإدراك الكامل للعواقب.
 - الطلاق بين الحق والتنظيم
لا أحد يجادل في أن الطلاق حق شرعي، لكنه في الوقت ذاته مسؤولية اجتماعية.
وما تحتاجه مجتمعاتنا اليوم ليس التضييق على هذا الحق، بل تأطيره ضمن منظومة تحفظ كرامة الإنسان، وتمنح الأسرة فرصة للنجاة قبل الانهيار.
إن الارتفاع المطّرد في معدلات الطلاق داخل المغرب وخارجه ليس مجرد رقم في الإحصاءات، بل مؤشر ثقافي واجتماعي خطير يستدعي تدخلاً تشريعيًا عاجلًا.
فحماية الأسرة لم تعد خيارًا أخلاقيًا، بل ضرورة وطنية واستراتيجية لضمان استقرار المجتمع ومستقبله الإنسان. 
  
  
  
  
تعليقات